بدأت في قراءة دستويفسكي مبكرا؛ كان ذلك وأنا لا أزال في المرحلة الجامعية حينما كانت تصدر، عن الدار القومية في مصر، أجزاء متلاحقة من أعماله بترجمة سامي الدروبي، وكان الكتبي الذي اشتهر فيما بعد بناي جار الله هو الذي تكفل بتزويدي بتلك الأعمال لقاء أقساط شهرية تناسب دخلي المتواضع، حتى إذا ما تخرجت وتم تعييني مدرسا في ثانوية مدينتي بدرة واصلت شراء ما تبقى من تلك الأعمال. لم تقتصر قراءاتي على ديستويفسكي وحده بطبيعة الحال، بل تعددت تبعا لتعدد التيارات الروائية متمثلة بأسماء شغلت الساحة مثل همنغواي وفوكنر وشتاينبك وتولستوي وديكنز وأوستن ونجيب محفوظ وفرمان والتكرلي وعشرات سواهم، وحلت فترة تراجع فيها ديستويفسكي إلى الوراء بعدما تسيدت الساحة تقليعات روائية جديدة مثل الوجودية و السريالية والشيئية لتتوج بالواقعية السحرية وروايات ماركيز وأمريكا اللاتينية. ما يهمني أن أنتهي إليه بهذا التلخيص الذي أكتبه دون إعداد مسبق طابعا إياه مباشرة على الكيبورد هو هذا الحنين الذي يدعوني الآن إلى العودة مجددا إلى ديستويفسكي: فقد توصلت إلى قناعة شخصية مفادها أن الروايات كلها – بما فيها روايات الواقعية السحرية – تفقد بريقها بمرور الأيام إزاء بريق هذا الروائي الروسي التراجيدي الذي قد يكون الوحيد الذي يقف في مصاف شكسبير.