مر العالم عبر التاريخ بسلسلة من التفاعلات غيرت معالم الجغرافية السياسية اثر الحروب الكبيرة والغزوات والاحتلالات العسكرية والفكرية الخ.. وعند البحث في الاسباب المحركة لهذه الصراعات لتحقيق مصالح معينة وجد ان القوة (غير القانعة) هي مفتاح هذه التفاعلات ، وتأتي القوة من عناصر عديدة أبرزها واعقدها (العنصر البشري)، فما ان سيطرت على مشاعر وعقول البشر متى ما تحققت قوة تدفع باتجاه البحث عن (النمو) خارج الحدود المعنوية والمادية، بحسب نظرية ابن خلدون التي تتحدث عن تشابه الانسان والدولة (ولادة، نمو، فناء) والنمو بمعناه اللغوي والاصطلاحي التوسع، وبالعودة لعنصر القوة الاساس (السيطرة على العقول) واخضاعها ،وفق مبدأ (القيادة والانقياد) او ( الأشراف والمشروفين ) وتعتمد العلاقة بين الطرفين على العقيدة او المصلحة، ويرتبط المفهومين ب(السلطة) دينية كانت او غير ذلك، ان هالة السلطة جاذبة للبشرية على مر التأريخ، وقد يسلك الانسان مساراً على غير ما يؤمن بهِ في سبيل الانجذاب لهذهِ السلطة وارضائها، والانقياد لها بغض النظر عن عدالتها او ظلمها في اتخاذ القرارات، وقد اجرى عالم النفس الامريكي (ستانلي ميلجرام) بحثاً معمقاً حول استجابة الناس للسلطة و وجد انهم يذعنون للسلطة حتى وان ادت الى ايذاء الاخرين وتعذيبهم او قتلهم !!مما يوصل المجتمع الى تحقيق مفهوم (الطاعة العمياء) ان وجود الطاعة معيار مهم لإنضباط الأمة، ولكن المقصود هي الطاعة الواعية وليست الطاعة العمياء ! وتنقسم الطاعة العمياء الى اتجاهين من القمة الى القاعدة إذ يتأثر الزعيم او صانع القرار بالقاعدة الشعبية مما يجعله مطيعاً لمطالب قد تؤدي الى هلاك الأمة او ايذاء الاخرين، والاتجاه الاخر هو الاكثر شيوعاً إذ تطيع القاعدة الجماهيرية قائداً او رمزاً معيناً طاعة عمياء بغض النظر عن نتائج هذهِ الطاعة!وهنا ضرورة صناعة (مناعة ذاتية ضد الانقياد والطاعة العمياء) وصولاً للطاعة الواعية التي تعني فهم الشيء فهماً صحيحاً وعقلانياً دون النظر اليه من زاوية واحدة، والانتهاء عن الطاعة عندما تسبب ضرراً للأمة !!من باب قول الرسول (ص) “لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق”فشتان بين الطاعة المطلقة والطاعة المقيدة وقول الامام علي (ع) قال: “لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق”ومن الطبيعي ان الطاعة الواعية هي طاعة نشطة (Active Obedience)تتفاعل مع الاحداث تأثراً وتأثر، في محاولة لتصحيح المسارات وتفكيك العقد، بينما تأتي الطاعة العمياء خاملة (passive obedience) وتعتمد تفاعلاتها على العلاقة بينها وبين الزعيم الذي ترتبط بهِ، وخلاصة القول، ان الطاعة الواعية هي المسار لانتاج مجتمع ايجابي في تفاعلاته يستوعب التحديات ويصنع الأمجاد والتأريخ لا يرحم مجتمعات اتحهت نحو الضلالة بنوايا حسنة ونختم بقوله تعالى ” يا ايها الذين امنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين”صدق الله العلي العظيم