النفط‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬الدخل‭ ‬الرئيسي‭ ‬للعراق،‭ ‬فيه‭ ‬جانب‭ ‬مظلم‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬تكريس‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأحادي‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التخطيط‭ ‬فحسب،‭ ‬وانما‭ ‬كونه‭ ‬ذا‭ ‬أثر‭ ‬سيء‭ ‬وخطير‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬مديات‭ ‬ربما‭ ‬قصيرة‭ ‬وليست‭ ‬طويلة،‭ ‬قد‭ ‬تودي‭ ‬بحياة‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬بسبب‭ ‬التلوث،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬كشف‭ ‬تحقيق‭ ‬أجرته‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬البريطانية‭ -‬عربي‭ – ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬مرعبة‭ ‬لمصير‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬يقطنون‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬النفط‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرق‭ ‬العبثي‭ ‬للغاز‭ ‬الناتج‭ ‬عند‭ ‬استخراج‭ ‬النفط‭. ‬ويبدو‭ ‬انّ‭ ‬فريق‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تسكت‭ ‬عليها‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬وجميع‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة،‭ ‬ويغيب‭ ‬الاعلام‭ ‬المحلي‭ ‬عنها‭ ‬مع‭ ‬ضعف‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬العدم‭ ‬للتوعية‭ ‬الصحية‭ ‬بوسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬النيابية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬ذات‭ ‬التماس‭ ‬مع‭ ‬حقول‭ ‬النفط‭ ‬مثل‭ ‬البصرة‭.‬

أشار‭ ‬التحقيق‭ ‬المثير،‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬القانون‭ ‬العراقي‭ ‬نظرياً،‭ ‬يحظر‭ ‬لأسباب‭ ‬صحية،‭ ‬حرق‭ ‬الغاز‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬ستة‭ ‬أميال‭ ‬من‭ ‬منازل‭ ‬السكان،‭ ‬لكن‭ ‬الفريق‭ ‬الصحفي‭ ‬وجد‭ ‬بلدات‭ ‬يحرق‭ ‬الغاز‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ميلين‭ ‬من‭ ‬البيوت‭. ‬وقال‭ ‬التحقيق‭ ‬أيضا‭ ‬انّ‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬تدرك‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬الغاز؛‭ ‬إذ‭ ‬اطلع‭ ‬فريق‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬مسرب‭ ‬لوزارة‭ ‬الصحة‭ ‬العراقية،‭ ‬يحمّل‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬مسؤولية‭ ‬ارتفاع‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬السرطان‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬وذلك‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2015‭ ‬و2018‭. ‬وإزاء‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬المؤلمة،‭ ‬نعود‭ ‬للأسئلة‭ ‬الازلية‭ ‬المحبطة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العراقي،‭ ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬ومَن‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الأمور‭ ‬المنفلتة‭ ‬الى‭ ‬نصابها‭ ‬ومستقرها،‭ ‬متى‭ ‬يصحو‭ ‬البرلمان‭ ‬المغيب‭ ‬والطامس‭ ‬في‭ ‬ملذات‭ ‬التقاسم‭ ‬و‭ ‬سخام‭ ‬الصفقات؟

‭ ‬هل‭ ‬نبقى‭ ‬نتغنى‭ ‬بأنّ‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬تعوم‭ ‬على‭ ‬بحيرات‭ ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬ناهز‭ ‬سعر‭ ‬برميلها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬مائة‭ ‬دولار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬الثروة‭ ‬البشرية‭ ‬تتآكل‭ ‬بالأمراض‭ ‬السرطانية‭ ‬التي‭ ‬تتسرب‭ ‬الى‭ ‬دماء‭ ‬العراقيين،‭ ‬الذين‭ ‬ظنوا‭ ‬لوهلة‭ ‬قصيرة،‭ ‬انهم‭ ‬ربّما‭ ‬نجوا‭ ‬من‭ ‬أقدار‭ ‬مذابح‭ ‬الحروب‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬والتصفيات‭ ‬السياسية‭ ‬والطائفية‭ ‬واستهدافات‭ ‬ثوار‭ ‬تشرين‭ ‬وتربص‭ ‬السكتات‭ ‬القلبية‭ ‬نتيجة‭ ‬الهموم‭ ‬والقلق‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬لتفشي‭ ‬الفساد‭ ‬واللصوصية‭ ‬السياسية‭ ‬المشرعنة،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬ينجوا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مطلقاً‭ ‬،‭ ‬والنعمة‭ ‬التي‭ ‬نسيء‭ ‬استخراجها‭ ‬وتصريف‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية‭ ‬ازاءها‭ ‬تحوّلت‭ ‬الى‭ ‬نقمة‭ ‬قد‭ ‬تنهي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الاحلام‭ ‬المقاومة‭ ‬للصدأ‭.‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *