لا أنكر أني كنت معجباً بالفقيه الحركي السني الشيخ يوسف القرضاوي، وأني قرات كثيراً من كتبه ودراساته خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بل شكَلت كتاباته جزءاً من ثقافتي الإسلامية العامة في تلك المرحلة، في إطار انفتاح الاسلاميين الحركيين الشيعة ( تحديداً مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر ومدرسة الإمام الخميني) على كتابات المفكرين والكتَاب الإسلاميين الحركيين السنة، وخاصة المصريين منهم، كالشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوي وزغلول النجار وغيرهم. وأتذكر مما قرأت للشيخ القرضاوي بشغف وتأمل: “ملامح المجتمع المسلم”، “الإجتهاد في الشريعة الإسلامية”، “ثقافة الداعية”، “فقه الدولة الاسلامية”، “الإسلام والعلمانية”، “فقه الأولويات”، “الصحوة الاسلامية”، وغيرها من الكتب والدراسات التي لا أزال أحفظ كثيراً من مضامينها، فضلا عن استفادتي منها في دراساتي ورسائلي الجامعية.

وتطور إعجابي بالقرضاوي، بعد أن بدأت بمراسلته خلال العام 1998 حين بدأنا بتأسيس “المركز الاسلامي للدراسات المستقبلية”، بدعم السيد محمد حسين فضل الله والشيخ مهدي العطار والشيخ محمد علي التسخيري، وعرضت على الشيخ القرضاوي فكرة المركز ومنهجيتنا في الدراسات المستقبلية الإسلامية، وطلبت رأيه ومشورته، كما طلبت أن يكون عضواً في الهيئة الاستشارية العلمية للمركز الى جانب ستة عشر عالماً ومفكراً من تسعة بلدان عربية واسلامية. فأولى الشيخ القرضاوي الموضوع اهتماماً مناسباً، وكانت فرحتي كبيرة حين أبلغني مستشاره بموافقته؛ لأن وجود اسم الشيخ القرضاوي معنا هو مكسب علمي ومعنوي للمشروع. ومن يطلع على مجلة (( المستقبلية)) العلمية المحكمة، التي أصدرنا عددها الأول في العام 1999؛ سيجد اسم الشيخ القرضاوي مثبتاً ضمن الهيئة العلمية للمركز.

ولكن؛ بعد سقوط نظام البعث الطائفي في العراق في العام 2003، ثم تبلور مؤشرات الصعود الشيعي في المنطقة؛ حدثت انعطافة نوعية في منهجية تفكير الشيخ القرضاوي وخطابه وسلوكه؛ فتحول خلال سنوات معدودات من مفكر إسلامي حركي مجدد، وفقيه إصلاحي متميز، الى عنصر محوري في الفتنة الطائفية والتمييز المذهبي، بل ومصدر لفتاوى التكفير والقتل والتحريض على الإرهاب، حتى وصلت شضايا فتاواه التحريضية الى العراق وسوريا وإيران والبحرين ومصر ولبنان، ولا سيما بعد أفتى علانية بقتل قادة ايران وحزب ا ل له اللبناني ورئيس وزراء العراق حينها نوري المالكي والرئيس السوري وقادة نظامه.

وليست المشكلة هنا في صدور فتاوى التكفير والعنف؛ فقد سبق القرضاوي اليها شيوخ النظام السعودي وبعض الشيوخ المصريين والعراقيين والأفغانستانيين والباكستانيين، فضلاً عن شيوخ القاعدة وداعش، لكن المشكلة تكمن في صدورها من فقيه ومفكر حركي سني بمستوى يوسف القرضاوي، وهو ما يجعلنا نفكر بعمق في هذه الحالة القرضاوية؛ ما إذا كانت حالة فردية تخص القرضاوي والقليلين من أمثاله، أو أنها ظاهرة في الوسط العلمي الديني السني؛ يتكشف جوهرها في المنعطفات، وخاصة التي تشعره بما يسمونه الخطر من التمدد الشيعي.

ولذلك؛ أعتقد أن ما ظل يقوم به القرضاوي وأمثاله من رجال دين مرموقين، من دور فتنوي طائفي، ساهم في تقطيع أوصال الأمة، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، والدعوة الى الكراهية والتمييز الطائفي؛ ينبغي أن يكون مادة للدراسة والبحث؛ للوقوف على خلفياته الشرعية والسياسية؛ بهدف الحد من خطورة هذه الظاهرة وتحجيم آثارها؛ كونها تمثل إحدى مسارب الطائفية والعنف والكراهية بين المسلمين.

*المفارقة؛ أن باحثاً مصرياً صديقاً كان يؤكد خلال حديثنا عن تحول القرضاوي من التفكير الى التكفير، قائلا: ((القرضاوي لم يتغير، بل أنتم لم تكونوا تعرفوه من قبل)).*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *