جرى لعقود عديدة الاستهانة بصوت الدول العربية في المحافل الدولية والازمات العالمية، والأسباب معظمها تعود للعرب أنفسهم الذين كانت ارادتهم واهنة في التعاطي مع القضايا الاستراتيجية من حيث العلاقات والتحالفات، حتى وقعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصارت ورقة الطاقة حاسمة في صراع يتطور يوما بعد آخر ويأخذ مديات بعيدة في عمق القارة الاوربية على نحو خاص. وبالرغم من العرب لم ينزعوا كليا نحو التحول الى تكتل دولي نوعي ومؤثر له حساب وازن لا يمكن تجاوزه إلا انّ هناك علامات قوة أفادت منها دول بعينها، منها السعودية والامارات في ملف النفط والجزائر وقطر في نطاق الغاز، واتجهت الأنظار الدولية الغربية نحو هذا الشرق الغني بالثروات ذات الكلمة الفصل في موازين النزاع اليوم.
في الوقت ذاته نرى الدول الغربية تتحرك هذا الأسبوع على نحو حثيث لكسب الأصوات العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي تعد لمشروع ادانة لروسيا، إذ يشكل الصوت العربي قيمة مع الصوت الافريقي في تغيير صورة الإرادة الدولية نحو روسيا.
لم يعد خافيا، ذلك الانزعاج الأمريكي من القرارات السعودية النفطية والدبلوماسية التي نزعت نحو استقلالية نسبية في عدم السير الاعمى وراء المسار الأمريكي في ملف الصراع الغربي مع موسكو، برغم علاقات التحالف الكبيرة والمتطورة بين واشنطن والرياض. ووجدنا البيت الأبيض يتحدث اليوم عن التفكير بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وهذا تطور لافت في لغة الانزعاج الدبلوماسية، لكنه يبقى ثمنا هيناً امام التحلي بالتمسك بالخيارات الوطنية التي تتقدم على أي تحالف نوعي دولي. وربما ستظهر الإدارة الامريكية انزعاجاً من مواقف حلفاء آخرين في الخليج، فضلاً عن عدم الارتياح المستمر من مسارات تركية مع روسيا، كما انّ إيران التي اندفعت في تزويد روسيا بالطائرات المسيرة المشاركة في الحرب لن تكون بمنأى عن التشدد ازاءها في الملف النووي العالق او أوضاعها الداخلية القلقة.
الدول العربية اكتسبت خبرات كبيرة من تجارب الحروب والأزمات المتعلقة بالطاقة والتجارة والسلاح والاستثمارات عبر عقود طويلة، وهذا يجعلها أرقاما دولية شاخصة ومؤثرة، غير انّ الأهم هو ان تمتلك الدول العربية، سواء على انفراد او بشكل تكتلي، رؤية استراتيجية لتحويل منافع النزاعات الدولية لصالحها، بعد عقود من استخدام المنطقة العربية كمواقد للحروب، والأسباب ليست تتعلق بالغرب او الولايات المتحدة او القوى الإقليمية دائماً، وانّما بنوعية بعض الأنظمة العربية التي عاشت الأوهام القاتلة، كما مع النظام العراقي السابق بوابة التدخل الخارجي في المصير العربي برمته.