قبل أيام ، استلمت رسالة ، من زميلة ، غابت مدة طويلة من الزمن ، لم تتضمن سؤالاً عن وضعي ، اوعن صحتي ، بل حملت صرخة ، زلزلتني ، حيث قالت بعد ان عرفتني باسمها وشخصيتها ، وكأنها في جبة النسيان ، وهي التي كانت ملئ العين في سنوات الزمالة النديّة : ” انها باكية القلب ، حزينة النفس ، دامعة العينين ” لأنها لم تقرأ يوما كلمة من زميل او زميلة تذكر الناس بها .
فاحترتُ بم أجيبها؟
اختنقت داخلي الكلمات وارتعشت أصابعي وهي تنضد على الحاسوب بعض كلمات الرد لها ، واهتزت شفتاي وأحسستُ طرف ابتسامة باكية عليها ، لكن وجداني رفض الاعتراف بهذه البسمة ، فقد مضى زمن التذّكر ، واعتراه النسيان !
اختلطت في رأسي الأفكار، فلا أعرف ماذا يجب عليّ ذكره ، وماذا يجب علي فعله .. كأن اللحظات ، وصور العقود المنصرمة على فراقنا وافتراقنا ، ترفض المبارحة ، انا حزين عليها ، فقد انساق خيالها الى حيث اللا قرار ، وهي الأم لأبنتين على وشك التخرج ، من الجامعة وشاب في الثانوية كما قالت .. لكنها تعتب على زميلات وزملاء تناسوها ، وبضمنهم كاتب هذه السطور ..
انا مدرك ، ان الزمالة الحقيقية ، كشجرة الزيتون .. لا تنمو سريعاً .. ولكنها تعيش طويلاً ، ومدرك ايضا ، ان بين زمالة السنين والنسيان ، خيط دخان .. قد ينقطع بنسمة هواء ، لذلك ، نحن نتقابل مع الناس في كل لحظة .. ولكننا لا نتقابل مع أنفسنا إلا نادراً والزمالة هي المقابلة مع النفس .. فكيف مع زمالة مضى عليها ؟
لماذا اشرتُ الى هذه الواقعة ، التي يدل اطارها العام الى إنها ذات خصوصية واضحة المعنى ، لكني وجدتُ ان الإشارة اليها ، ضروري ، حينما ندرك اننا ضمن مجتمع تتوالد فيه المصادفات وتتكاثر فيه العلاقات العامة وتزداد على سطحه العواطف بمختلف صورها.. فكيف نتصرف ازاء موقف مر على حدوثه عقود من الزمن ، سواء كان هذا الموقف زمالة او عاطفيا او اجتماعيا ؟ وهل نجعل النسيان طريقاً للتغاضي واسدال الستار ؟ واسئلة اخرى تسحب معها العديد من التساؤلات..
ان صور الحياة اليومية ، تبقى عالقة في الوجدان الجمعي منذ مرحلة الوعي المبكر وحتى العمر المتأخر ، تأبى الزوال والهروب ، فالحياة ليست تعارفاً بين أشخاص وحفظ أسماء وابتسامات وزيارات وروايات يتبادلها الأفراد فيما بينهم ، إنها نسغ صاعد ونازل ، ورؤى وتفاهمات وحكايات تنبع من الذات …
شكرا لزميلة العمر البهي ، فقد حفزتني سطورها ، على كتابة ما كتبت ، بعيدا عن السياسة وتقلباتها ..!