تصدّر مجدداً ذلك الثلاثي الذهبي المزمن، مكافحة الفساد والامن والسيادة، شعارات المرحلة للحكومة الجديدة في طور التشكيل، كما كان حال الحكومات التي خلت وتخلّت وأخلّت. وهذا الثلاثي لفت انتباه السفيرة الامريكية ببغداد في تغريدتها وأكدت دعمها له، وكذلك الاتحاد الأوربي.
ولأنّ الحكومات في العراق تمضي الى حال سبيلها بعد انتهاء فترتها من دون ان نعرف ماذا أنجزت في تعاملها مع هذا الثلاثي الا بالقدر الدعائي المعلن مع تصريحات وبيانات مجلس الوزراء كل يوم ثلاثاء، فإنَّ الضرورة تقتضي اليوم ان يعلم العراقيون البرنامج التنفيذي العملي والقانوني في تحويل مفردات النزاهة والامن والسيادة من الشعار الى السياق القانوني الذي تظهر نتائجه أمام الشعب الذي أدمن سماع الوعود ولم يعد مكترثا بها، لاسيما انها تنطلق من نفس المحيط السياسي الذي أفرز أوضاع الفساد والتغاضي الأمني على حساب الدولة.
العراقيون يريدون معرفة الخطوات الجديدة، المدعومة بسياق تشريعي واضح في تحديد المسؤوليات ووضع ملفات الفساد على الطاولة بأثر رجعي يشمل السنوات الماضية، مع تحريم استخدام ملفات الفساد للتصفيات السياسية والكيدية كما كان يحدث دائماً.
أمّا موضوع السيادة فيجب ان يخضع لنسق واضح يمنع التعامل بانتقائية سمحت بالتفريط بالمصالح الوطنية. فيما يبقى أمر الأمن مرتبطاً بالسلاح المنفلت والتشكيلات المليشياوية التي تولد وتنمو خارج بناء الدولة وحاجتها، فضلا عن الاختلال التركيبي السكاني في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية.
إنّ الملفات متشابكة ومعقدة، ولا يمكن حلّها من دون توافق وطني يُعلي من شأن اسم العراق بعيدا عن الطائفية المقيتة التي لا تزال عالقة في أفكار سياسيين في الواجهة قبل أيديهم وثيابهم. والمسؤولية كبيرة لا تستطيع حكومة ان تتصدى لها وحدها من دون أطراف القوى السياسية، لكن من الصعب ان يتوقع أي عراقي تغييراً جدياً في المسارات التي قامت عليها العملية السياسية المترنحة والواهنة، لأنّ عناصر بناء تلك العملية لا يزالون يعتقدون ان مساراتهم هي الاصح وانّ الاخرين، إمّا يجهلون، أو يجحدون، أو يتآمرون.
إنَّ الحكومة التي تدخل طور التشكيل الذي قد يمتد أسابيع او شهورا، وهذا عادي في بلاد خرق المُدد الدستورية، لن تكون مواصفاتها أكثر من الحكومة التي سبقتها. إذ الحكومتان مكلفتان الاعداد لانتخابات في خلال سنة او سنة ونصف، وهي المدة التي لا تفيد في انجاز إصلاحات، حتى لو توافرت الإرادة في ذلك، من باب الافتراض العقيم.