في عام 1992 أصبح رئيس منتدى الأدباء الشباب الشاعر خالد مطلك، وكان من ضمن أعضاء المكتب التنفيذي للمنتدى صديق الغجري مع شعراء آخرين منهم عبد الزهرة زكي ووسام هاشم وعلي السوداني والراحل خالد جابر يوسف، ويوسف اسكندر وسعد جاسم ونصيف الناصري ومحمد تركي النصار وزعيم نصَّار وفاضل جواد وعبد الخالق كيطان وكاظم النصار وصلاح زنكنه وآخرين، كان مقر المنتدى قد انتقل من الطالبية إلى بناية أنيقة في شارع حيفا؛ كانت فيما مضى بناية للمذيعين والإعلاميين العرب، وفي منتصف شهر نيسان من ذلك الشهر جاءت الأوامر من جهات عليا بإقامة مهرجان الميلاد الشعري، طرح رئيس المنتدى خالد مطلك عليهم الأمر باجتماع عاجل للاستماع إلى أفكارهم، بالطبع كانوا بقلب واحد وروح واحدة، حاول صديق الغجري إيجاد تسمية أخرى للمهرجان لكن مقترحه لم يجد آذاناً صاغية لهُ وكان مصيره التجاهل. بعد مضي يوم فوجئوا جميعاً عندما أعلن تلفزيون الشباب عن أسماء الشعراء الشباب المدعوين للمهرجان، وكان الإعلان يتكرر عرضهُ بين ساعة وأخرى بخطوة مريبة وغير مسبوقة من تلفزيون الشباب، ولما سأل صديق الغجري خالد مطلك عن ذلك، أجابهُ: لقد وضعونا بين فكَّيْ كمَّاشة، ومن يتخلَّف عن الحضور سيكون موقفهُ حرجاً وتنظرهُ عواقب لا يُحمد عقباها. في فندق الميريديان أقيم المهرجان بداية شهر أيار، كان صديق الغجري قبل ليلة قد ثمل في نادي الأدباء ويبدو أنَّهُ شتم وصرخ متذمراً دون شعور منهُ؛ وقد أخبروه بالكارثة صباحاً عندما كان يجلس في صالة فندق الميريديان، وإذا بالشاعر عبد الرزاق الربيعي الذي كان يعمل محررا في جريدة الجمهورية يجلس بجواره ويطلب منهُ كتابة سطور عن مهرجان الميلاد؛ فأخبرهُ بما ارتكبهُ ليلة أمس بنادي الأدباء، أجابهُ الربيعي هي فرصة حتى تطرد الشكوك عنك، وأعطاهُ ورقة بيضاء ليكتب سطوراً تحتفي بميلاد الطاغية ولكن بطريقة غير مباشرة؛ وفي اليوم التالي نشرت كلمته مع شعراء آخرين في جريدة الجمهورية، ومن يقرأ السطور التي كتبها صديق الغجري؛ لن يجد أي ذكر بشكل صريح للطاغية أو أية إشارة إليه؛ حتى العنوان كان ملتبساً إذْ جاء كما يلي: في الميلاد حلَّقتْ قصائدنا مع الحمام والفواخت، لكن مفردة الحمام استبدلت بالكراكي من قبل محرر الجريدة كيما يقع بسين وجيم وتفادياً للمخاطر، وفي الواقع لم يأت من يسألهُ أو يحقق معه عن تذمره وصراخه في نادي الأدباء. لكنَّ إدارة اتحاد الأدباء أصدرتْ قراراً بمنعه من الدخول إلى نادي الأدباء إلى أجلٍ غير مُسمَّى؛ بعدها بشهر صدر عدد جديد من مجلة أسفار؛ كان قد سبقهُ عددٌ مثير عن شعراء الثمانينيات أثار لغطاً واسعاً في الوسط الثقافي؛ إذْ كانت صفحات ذلك العدد مكرَّسة لقصيدة النثر الثمانينية؛ وقد خلتْ من أي ذكر أو إشارة أو إطراء للطاغية؛ على خلاف العدد الأخير من أسفار الذي تغنَّى بمهرجان الميلاد؛ وكان آخر عدد يحمل اسم الشاعر عدنان الصائغ كرئيس تحرير؛ مع أنَّه لم يشرف على تحريره فقد فرَّ من البلاد في ذلك الوقت؛ وإذا بسطور صديق الغجري التي كتبها للجريدة يراها منشورة في أولى صفحات المجلة مع شعراء آخرين، عاتب خالد مطلك بحرقة على ذلك؛ إذ كان المشرف الحقيقي على ذلك العدد؛ فأجابهُ وهو ينفث دخان سيجارته:
- لقد أنقذتكَ السطور التي كتبتها عن مهرجان الميلاد من معتقل الرضوانية.
حينها أدرك أنَّ صديقه خالد مطلك كان يسعى إلى حمايته وقد نجح من درأ خطر الاعتقال عنهُ؛ في زمن كانت تقطع فيه ألسنة الأبرياء وتقلع الأظافر من الأصابع في ذلك المعتقل الرهيب، ومن يدَّعي أنًّه كان معارضاً شرساً للنظام في داخل البلاد قد كذب، فهكذا بطولات لم تكن تحدث حتى بالأحلام؛ لأنَّ حتى الأحلام في ذلك الوقت كانت مرعبة حد الموت، لكنَّ صديق الغجري أرغمتهُ حياة العوز والحرمان على الصعلكة وكان شرساً؛ صريحاً؛ سليط اللسان عندما يثمل؛ لم يجامل أو يتملَّق لأي أديب مهما كان منصبه على حساب الشعر والإبداع، وللتأريخ أنَّ صديقه نصيف الناصري الذي قرأ قصيدة عن الطاغية في افتتاح مهرجان الميلاد، كان قد تمَّتْ استمالته وتضليله وابتزازه بطريقةٍ وأخرى؛ مما أجبر على كتابتها حين أخبروه: إنَّ وزير الثقافة حامد يوسف حمادي حضر خصيصاً إلى المهرجان حتى يستمع إلى قصيدتك؛ فتورَّط في كتابتها؛ ومن عنده براهين غير ذلك فليأت بها.