قد نكون امام فرصة ذهبية لاستعادة ثقة المواطن بالدولة والحكومة والطبقة السياسية والسياسيين والاحزاب وكل المتصدين للشأن العام.
واقول “استعادة الثقة” لاني اعلم ان شريحة كبيرة من الشعب، حتى لا اقول الشعب كله، فقدت الثقة بالدولة وبقية مفرداتها التنفيذية والتشريعية والسياسية.
ومع انتهاء حقبة الكاظمي-برهم التي مثلت اكبر انتكاسة قيمية للنظام السياسي بعد ٩ نيسان عام ٢٠٠٣، فمن الممكن، بل من الضروري، العمل على استعادة ثقة الشعب بالدولة. بدون هذه الثقة لا يمكن لاي كان ان يخطو خطوة حقيقية الى الامام.
وعليه من المفروض ان تكون مفردة “استعادة الثقة” هي النقطة الاولى في اهتمامات كل المتصدين للشأن العام.
استعادة الثقة لا تتحقق بالكلام المنمق والخطب الرنانة والوعود الوردية، انما تتحقق من خلال الافعال الملموسة.
ويستطيع الشعب ان يلمس ثلاثة امور بسهولة وبساطة.
الامر الاول: مكافحة الفساد. وهو مرض ينخر في جسم المجتمع والدولة منذ عقود بل عصور طويلة وقديمة، لكنه تفاقم بشكل مخيف بعد عام ٢٠٠٣.
ولسنا نذيع سرا ان كبار مسؤولي الدولة والاحزاب، قبل صغارهم، متورطون بهذا الفساد، يساعدهم فيه المنتفعون من اصحاب الاموال الكبيرة.
وليس كشفا عظيما ان الفساد هو من اهم العوامل التي تسببت في تردي الخدمات وفشل الحكومات المتعاقبة بعد اسقاط النظام الدكتاتوري. وعليه فان الامرين الاخرين اللذين سوف اذكرهما يتوقفان بشكل كبير على النجاح الذي يمكن ان تحرزه الحكومة الجديدة في مكافحة الفساد.
وغني عن الذكر ان على الحكومة الجديدة ان تتبع سياسة حازمة في مكافحة الفساد على المدى القصير تتألف من العناصر التالية:
العنصر الاول: التحقيقات الدقيقة بشبهات الفساد والتصرفات المالية للدولة ومؤسساتها وبالذات العقود الكبيرة.
العنصر الثاني: الاجراءات المشددة التي تتخذ قبل حصول الفساد.
العنصر الثالث: العقوبات المشددة والرادعة بحق من تثبت عليه دعاوى الفساد.
الامر الثاني: تحسين الخدمات. يتنازل المواطن عن جزء من حريته للدولة مقابل قيامها بتقديم خدمات مريحة له. والخدمات لا تقدم بصورة فردية وانما تشمل جميع ابناء المجتمع. والخدمات تشمل الصحة والتربية وتسهيل الاجراءات الحكومية وتبليط الشوارع ومد المجاري وتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب والبطاقة التموينية وتوفير فرص تحسين المدخولات المالية والسكن والمواصلات والقضاء على الفقر وغيرها. تتعلق هذه الخدمات بالحياة اليومية للمواطن. واذن فان تحسين الخدمات يعني تحسين نوعية الحياة التي يحياها الانسان. ولا نقاش في ان نوعية الحياة التي يعيشها المواطن العراقي لا تليق بالانسان، ولا تقرب حتى من مستوى الحياة في دول جارة او قريبة مثل دول الخليج مثلا. ومن ابرز الخدمات التي تقدمها الدولة في بلد مثل العراق توفير فرص مدخولات المواطنين المالية، العاملين والمتقاعدين والعاطلين لاسباب خارجة عن ارادتهم ورغبتهم. (ضمن رؤية اشمل للقضاء على الفقر). ولا نقاش في ان الدولة لا تستطيع النجاح في تحسين خدماتها ما لم تحد من الفساد في دوائرها.
الامر الثالث: تحقيق الامن. لا يتحقق شيء مما ذكرنا في بيئة غير امنة، واذن فلابد من توفير البيئة الامنة للمواطنين جميعا. وتتألف البيئة الامنة من قوانين عادلة وقضاء مستقل وشرطة نظيفة ومحاكم نزيهة وسجون واجراءات رادعة وسلطة قوية، حتى قيل ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقران.
تشكل النقاط المار ذكرها خطوات ملموسة في طريق اقامة الدولة الحضارية الحديثة التي يجب ان تشكل النموذج او الهدف الاعلى في اجراءات الحكومة وحركة المجتمع.
وكل هذه الخطوات، او اغلبها، مما يمكن ان يندرج تحت عنوان المهام العاجلة للحكومة التي يجب عليها انجازها في السنة الاولى من عمرها. مع ملاحظة ان نشاط الحكومة يجب ان يجري في ان واحد في ثلاثة محاور متوازية ومتزامنة تشمل المهمات العاجلة والمتوسطة والبعيدة المدى.