بقلم | جواد التونسي

 

 

كانت المسالخ قديماً عنواناً للصحة والنظافة وكان الاطباء البيطرين يشرفون إشرافاً مباشراً على عمليات الذبح والجزر والكشف على ” المذبوحات ” لضمان سلامة تلك للحوم كل صباح ومساء , وكانت اللحوم عادة يتوشحها أختام دوائر البيطرة النظامية حيث كانت عملية الذبح المنظم في المسالخ المعتمدة التي تضمن ختم اللحوم الذي يدل على نظافة و سلامة تلك اللحوم وصلاحيتها للاستهلاك البشري , وكان آنذاك تتواجد اعداد كبيرة من الاطباء البيطريين وعمال النظافة وسيارات نقل اللحوم والعجلات الكبيرة الخاصة بنقل النفايات , إذ كان يومي الاثنين والجمعة من كل اسبوع عطلة رسمية ” للقصابين والمسالخ ” للحفاظ على الثروة الحيوانية وعدم إستنزافها بشكل سريع, وكان يمنع نقل اللحوم والذبائح إلا في وسائل النقل المعدة لهذا الغرض، والتي تتوافر فيها الشروط الصحية التي يصدر بها ترخيص من دوائر الصحة والبيطرة , وكان لتلك القوانين الصحية هو الحفاظ على سلامة البشر , وقد طبقت تلك القوانين الآنفة الذكر في محافظاتنا الشمالية من العراق “اربيل , دهوك , والسليمانية ” التي ما زالت تفرض أقسى العقوبات على المخالفين الذين لا يلتزمون بشروط الصحة التي تصدر من دوائر البيطرة وختم اللحوم على مختلف انواعها من الاغنام والمواشي وحتى الطيور, حيث يؤدي الذبح العشوائي إلى تراكم المخلفات في الشوارع والتي تمثل مصدرا رئيسيا لتلوث البيئة وتهدد حياة الإنسان بالمخاطر، إذ تصبح اللحوم المذبوحة في العراء عرضة للغبار والأتربة والملوثات, وعلى الجهات المعنية ” الصحة , الامانة , و القوات الامنية الساندة ” بحجز المخالفين وتغريمهم ودعوتهم لتوقيع تعهدات بعدم الذبح العشوائي دون الذهاب الى المسالخ المختصة , وقد كان المتسوقون من الناس لا يشترون لحوماً من القصابين والجزارين الا اذا كانت مختومة بخطم دائرة البيطرة والطبيب البيطري المختص , وكانت حينها تحرق ” المذبوحة ” إذا كانت مريضة أو نافقة , أما اليوم في “حارة كلمن إيدو إلو” مثل ما يتناوله المثل المصري المتداول والذي يتطابق حالياً .
في عدم المحاسبة والرقابة الشديدة وفرض اقسى العقوبات والغرامات على المخالفين , حيث يعتبر الذبح العشوائي على الطرقات وفي الجزرات الوسطية أمراً في غاية الخطورة إذ يشكل تناقل الامراض سريعاً لتعرض تلك اللحوم للحشرات والقوارض والذباب والقطط والكلاب السائبة , نتيجة رمي أحشاء تلك المواشي “الكرشة والمصارين ” والجلود المكدسة الكريهة على الطرقات الخارجية والارصفة والساحات العامة , وتجد الأوساخ تتكدس على الارصفة والطرقات ترافقها الروائح الكريهة العفنة وخاصة في الأماكن التي تقوم بتربية الخراف والمواشي وما تسمى بـ “الجوبات ” المنتشرة على مداخل العاصمة بغداد والطرق الخارجية السريعة كـ ” قناة الجيش , الشعب , الزعفرانية , جسر ديالى , المدائن , الامين , المدينة , الشعلة والحرية ” وغيرها من المناطق الكثيرة ، أما الذبح في المزارع والبساتين والمسالخ العشوائية فيشكل خطراً صحياً واقتصادياً وبيئوياً , وتأتي تلك المخالفات لانعدام الرقابة الصحية المستمرة على المخالفين من “القصابين ” وامتناعهم بتوقيع الكشف البيطري الأساسي الملزم بالذبح داخل المسالخ المختصة , حيث تعتبر المسالخ العشوائية خطر ينذر بكارثة صحية وبيئية في العراق , ويذكر ان القوات الامنية بالتعاون مع امانة العاصمة والبلديات والصحة , القت القبض على عدد من المجرمين الذين ذبحوا “حميرا”ً في المناطق المهجورة البعيدة عن الانظار كـ “معسكر الرشيد ” مثلاً واطراف بغداد وباعوها في الاسواق المتخصصة لبيع اللحوم , أما المنتجات الحيوانية المستوردة في الاسواق المحلية فهي عديدة المناشيء والتي تحمل احيانا ” ليبلات وعلامات تجارية مزورة ” والتي تكون عادة “أكسباير ” منتهية الصلاحية منذ شهور او ربما احياناً لسنة او سنتين وتجد أثمانها رخيصة جدا في تلك الاسواق ,يرجى الانتباه والحذر من شرائها .

ان ظاهرة الذبح العشوائي منتشرة في جميع مناطق بغداد على الرغم من تأثيرها السلبي على الصحة والبيئة , فهي مازالت الى يومنا هذا دون اجراءات وقائية رادعة ، ولم تتخذ ضوابط واجراءات صارمة لمنع المخالفين ، وأفسحت المجال لأصحاب النفوس الضعيفة للذبح غير الأصولي وبيع لحوم المواشي المريضة والنافقة ، وكذلك ما يصاحب ذبح المواشي في الاماكن المأهولة بالسكان وخارج المسالخ الرسمية من امراض وعدوى سريعة الانتشار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *