‏وأيام‭ ‬زمان‭ ‬كنَّا‭ ‬نتسلَّى‭ ‬بهذا‭ ‬العذاب‭. ‬عذابنا‭ ‬الجميل‭. ‬نتعذب‭ ‬بالشعر‭ ‬ويتعذب‭ ‬بنا‭. ‬ونحن‭ ‬سعداء‭ ‬بالعذاب‭. ‬نبكي‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬إذا‭ ‬غاب‭ ‬ونبكي‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬إذا‭ ‬طلع‭.. ‬ليلة‭ ‬لا‭ ‬غاب‭ ‬فيها‭ ‬القمر‭ ‬ولا‭ ‬طلع‭. ‬نطلب‭ ‬الدهشة‭ ‬ونطلب‭ ‬الشفقة،‭ ‬ونطلب‭ ‬الحبيب‭ ‬الأول‭ ‬والحبيب‭ ‬الأخير،‭ ‬فإذا‭ ‬الليل‭ ‬يقظة،‭ ‬وإذا‭ ‬النهار‭ ‬ليل‭.. ‬و‭”‬يا‭ ‬ليلُ‭ ‬طلْ‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تطلْ،‭ ‬لا‭ ‬بُدَّ‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أسهرك‭”!.‬

‏كنَّا،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬متى‭ ‬كنَّا‭ ‬وأين؟‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬نجمة‭ ‬في‭ ‬سماء،‭ ‬أو‭ ‬نخلة‭ ‬في‭ ‬بستان،‭ ‬أو‭ ‬صفصافة‭ ‬في‭ ‬نهر،‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬أو‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭.. ‬لا‭ ‬يغرينا‭ ‬شيء‭ ‬مثل‭ ‬الشعر‭. ‬نكتب‭ ‬في‭ ‬دعد،‭ ‬وهند،‭ ‬ولبنى،‭ ‬وريَّا،‭ ‬ومي‭ ‬غزلاً‭ ‬رقيقاً‭. ‬ونحن‭ ‬نتبارى‭ ‬في‭ ‬المطاردات‭ ‬والمطارحات‭ ‬الشعرية‭. ‬هذا‭ ‬يقول‭ ‬بيتاً‭ ‬لابن‭ ‬زيدون‭ ‬وذاك‭ ‬يقتبس‭ ‬بيتاً‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة‭. ‬ثمَّ‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬طلل‭ ‬من‭ ‬أطلال‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭. ‬من‭ ‬طلل‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ ‬إلى‭ ‬طلل‭ ‬أبي‭ ‬نواس‭. ‬يواسينا‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭:‬

‏أمـرُّ‭ ‬على‭ ‬المنـازل‭ ‬كالغـريـبِ

‏أسائلُ‭ ‬من‭ ‬لقيتُ‭ ‬عن‭ ‬الحبيبِ‭..‬

‏يكفي‭ ‬أن‭ ‬نفتح‭ ‬ديوان‭ ‬شعر‭ ‬لنرى‭ ‬أزهاراً‭ ‬وأقماراً‭ ‬وفراشات‭ ‬وحجارة‭ ‬ياقوت،‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬تبكي‭ ‬النواعير‭ ‬على‭ ‬الشطآن‭. ‬كيف‭ ‬يتساقط‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬العيون‭ ‬العسلية‭. ‬كيف‭ ‬تهبط‭ ‬الأمطار‭ ‬من‭ ‬السحب؟‭ ‬كيف‭ ‬يهدي‭ ‬العاشق‭ ‬حبيبته‭ ‬زهرة‭ ‬برية؟‭. ‬

‏كان‭ ‬الشعر‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬شفاهنا،‭ ‬ومن‭ ‬رسائلنا‭. ‬مفتاح‭ ‬القلب‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭. ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬لنا‭ ‬مجلس‭ ‬من‭ ‬المتنبي‭ ‬وأبي‭ ‬تمام‭ ‬والبحتري‭. ‬

كل‭ ‬الشعراء‭ ‬مرّوا‭ ‬من‭ ‬هنا‭. ‬من‭ ‬بابلو‭ ‬نيرودا‭ ‬وبول‭ ‬إيلوار‭ ‬وأراغون‭ ‬إلى‭ ‬بشارة‭ ‬الخوري‭ ‬وعمر‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭ ‬وشوقي‭ ‬والرصافي‭. ‬

‏فأين‭ ‬ذهبت‭ ‬مهرجانات‭ ‬الشعر‭. ‬أيام‭ ‬كان‭ ‬الشاعر‭ ‬رمحاً‭ ‬في‭ ‬قومه‭ ‬مثل‭ ‬هوميروس،‭ ‬وفرجيل‭.. ‬أيام‭ ‬الشعراء‭ ‬الكبار،‭ ‬والأدباء‭ ‬الكبار،‭ ‬والآمال‭ ‬الكبار،‭ ‬والقصائد‭ ‬التي‭ ‬تمنحنا‭ ‬الحماسة‭ ‬والعنفوان؟‭!. ‬

‏أين‭ ‬اختفت‭ ‬أيام‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬ومحمود‭ ‬درويش،‭ ‬وحافظ‭ ‬جميل،‭ ‬وسليمان‭ ‬العيسى؟‭. ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬بنا‭ ‬الزمن‭ ‬فقد‭ ‬الشعر‭ ‬بريقه‭. ‬وأصبح‭ ‬يتيماً‭ ‬بلا‭ ‬جمهور‭. ‬لا‭ ‬هو‭ ‬مالئ‭ ‬الدنيا‭ ‬ولا‭ ‬شاغل‭ ‬الناس‭.‬

‏أين‭ ‬جماعة‭ ‬أبولو؟‭ ‬ومدرسة‭ ‬الديوان؟‭ ‬وجماعة‭ ‬المهجر؟‭ ‬والرابطة‭ ‬القلمية؟‭ ‬ورافعي‭ ‬شعار‭ “‬دع‭ ‬مائة‭ ‬زهرة‭ ‬تتفتح‭”‬؟‭. ‬أين‭ ‬لوركا‭ ‬في‭ ‬إسبانيا؟‭ ‬وأين‭ ‬طاغور‭ ‬في‭ ‬الهند؟‭ ‬وأين‭ ‬غوته‭ ‬في‭ ‬ألمانيا؟‭ ‬وأين‭ ‬بوشكين‭ ‬في‭ ‬روسيا؟‭ ‬وأين‭ ‬الفيتوري‭ ‬في‭ ‬السودان؟‭ ‬وأين‭ ‬البردوني‭ ‬في‭ ‬اليمن؟‭ ‬وأين‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬في‭ ‬الشام؟‭ ‬وأين‭ ‬المليون‭ ‬شاعر‭ ‬في‭ ‬موريتانيا؟‭ ‬وأين‭ ‬وأين؟‭.‬

‏وعلى‭ ‬طريقة‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحتفل‭ ‬بظهور‭ ‬شاعر‭ ‬فيها‭. ‬كنَّا‭ ‬نحتفل‭ ‬بحضورنا‭ ‬مهرجانات‭ ‬الشعر‭. ‬كأننا‭ ‬ذاهبون‭ ‬إلى‭ ‬موعد‭ ‬غرام‭. ‬فليس‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬صحبة‭ ‬الشعراء‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬أروع‭ ‬ولا‭ ‬أمتع‭.‬

‏ورغم‭ ‬كثرة‭ ‬الشعراء‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬أكثره‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬ذروة‭ ‬تساقطه‭ ‬وانحطاطه‭ ‬وعاهاته‭ ‬وانهياراته‭.. ‬مجرد‭ ‬خربشات‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬الشعر‭. ‬

‏لقد‭ ‬قالها‭ ‬عنترة‭ ‬قبل‭ ‬ألف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬عام‭: ‬هل‭ ‬غادر‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬متردم؟‭. ‬

‏أفلس‭ ‬الشعر‭. ‬وانطفأ‭ ‬عصره‭. ‬وربما‭ ‬انتحر‭!.‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *