ربما يفاجئ الجميع اذا علموا ان الدولة العراقية لا تمتلك وثيقة ذات مصداقية عالية تخبرك عن حاجة العراق الفعلية من الغاز والاحتياطي المثبت وامكانية استثمار الغاز العراقي وان الكلام الذي نسمعه من عدد ممن تطلق عليهم الفضائيات لقب ( الخبراء ) لا يتعدى عن كونه كلام انشائي يزيد من الضبابية التي تحيط بهذا الملف و ان تضارب الأرقام والمواقف بشكل غريب تثبت ذلك ’ بل ان هناك اختلافات جدية بين ما نسمعه او نقرأه في وثائقنا الرسمية وبين الإحصائيات العالمية ومنها النشرة السنوية لشركة بريتش بتروليوم ( BP) التي تقدم احصاءات سنوية عن قطاع الطاقة بكل انواعه واستخداماته في جميع أنحاء العالم .
ان الهدف من محاولات التعرف على الأرقام الدقيقة هو بالحقيقة الطريق العلمي الصحيح لوضع خطط التحول من وقود ملوث للبيئة الى الغاز ثم التخلص جزئيا أو كليا من الاستيراد الذي يحمل ابعادا اقتصادية و سياسية في المدى المتوسط والبعيد لكن مهما كان حجم اشتباك السياسة بهذا القطاع وتأثيرها سلبا عليه فانه لابد من الاعتراف من ان العراق قد اهدر الكثير من الفرص السانحة في ان يكون طرفا مؤثرا في صناعة الغاز العالمية , فمثلا وجهت للعراق عام 2005 دعوة للانضمام كدولة كاملة العضوية الى منتدى الدول المصدرة للغاز (GECF Gas Exporting Countries Forum) الذي تأسس عام 2001 و يتخذ من العاصمة القطرية مقرا له , فكان رد الحكومة العراقية آنذاك من ان العراق دولة نفطية وان الغاز ليس اولوية له بينما كانت روسيا تؤكد حينها ان العراق يمتلك احتياطيا واعدا من الغاز و هناك دول في المنتدى هي اقل من العراق من حيث الاحتياطي اصبحت عضوا في المنتدى ومع ذلك لم نستفد من النصيحة ولم نلبي الدعوة لكن المفارقة اننا عدنا عام 2012 لنقبل الانضمام بصفة عضو مراقب خلال الاجتماع الوزاري الرابع عشر لدول المنتدى الذي عقد في غينيا الاستوائية . الأن اصبح الجميع الحديث يتحدث عن هذا الموضوع خصوصا بعد الحرب الروسية ألأوكرانية والعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا في هذا القطاع بالذات , فأين نحن من ذلك ؟
رغم الجدل حول ما يمتلكه العراق من خزين غازي والمبالغة في تقديراته , فأن الواقع يقول ان يبقى بحاجة الى استيراد اكثر من 1000 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي في اليوم ) من الخارج ( ايران او غيرها ) لسنين قادمة حتى في حالة تمكنت وزارة النفط من تنفيذ كامل خططها المرسومة على الورق في ان تصل السعات الإنتاجية الى الهدف المرسوم و هو 3500 مقمق/ يوم في نهاية عام 2022 وهي فرضية صعبة التحقيق في ظل بيروقراطية ثقيلة , نظريا و لو صحت هذه الفرضية المشكوك في تحققها فهذا يعني ان العراق سيتمكن من استثمار جزء كبير من الاحتياطي المتوفر في المكامن الغازية اضافة الى استثمار الغاز المصاحب لتوفير الجزء الأكبر من الحاجة الفعلية للغاز الطبيعي الجاف التي تقدر بـ 4500 مقمق/يوم في 2023 , وهذه الكمية تقابل انتاج 18000 ميكا واط من الطاقة الكهربائية المنتجة من مجموع السعات التوليدية المصممة للعمل بوقود الغاز الطبيعي فقط على أمل ان يتم ايقاف استخدام النفط الخام او زيت الغاز او زيت الوقود وأبداله بالغاز الأمر الذي يعني من الناحية والاقتصادية ان ترتفع كفاءة الوحدات التوليدية بنسبة لا تقل عن 20% فضلا عن انخفاض الانفاق على الصيانة و كلف استخدام المواد الكيمياوية المضافة لتحسين الوقود مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الحاجة لمزيد من الغاز سوف تستمر في الصعود مع زيادة انتاج الطاقة الكهربائية وتوسع استخدامه في الصناعة وغيرها من قطاعات الإنتاج الحقيقية , لذلك فان الهدف الذي يجب ان نستهدفه بحسب البيانات المتوفرة لدينا هو تشغيل 32000 ميكاواط على الغاز سنة 2025 يتم انتاجها من الوحدات البسيطة التي تعتمد على الغاز كوقود وتحويل ممن لم يتحول بعد منها الى وحدات مركبة .
يقف الاحتياطي العراقي المثبت من الغاز (Reserve ) حاليا في التسلسل الثاني عشر عالميا بـ (124.6 ) ترليون قدم مكعب قياسي حسب الاحصائية السنوية لعام (2021) التي تصدر من قبل شركة (BP) , وبهدف التوضيح ( نظريا ) اذا اعتبرنا ان الغاز سيوجه للكهرباء فقط فانه يكفي لإنتاج 33 الف ميكا واط من الكهرباء لمدة (60) عام بمعدل استهلاك 5500 مقمق يوميا بشرط تحويل جميع المحطات الغازية الى الدورة المركبة , مع ألأخذ بنظر ألأعتبار التطور التكنولوجي الذي يتوقع ان يقلب جميع الحسابات الحالية في قطاع الطاقة فضلا عن تنامي الطلب بشكل مستمر .