كلما خطرت على ذاكرتي حكاية من حكايات الطفولة التي كانت جدتي ترويها لنا .. نحنُ الاطفال الباحثين عن الاثارة والمغامرة في تلك الحكايات ..كلما شعرتُ ان هناك خيوطاً مشتركة بين تلك الحكايات وحكايات الزمن الصعب الذي نمر فيه نحنُ البؤساء في العراق – عراق التغيير بعد عام 2003 .. التغيير الذي كنا نحلم ونحلم انه سيقودنا الى قيادة العالم لا بل سنكون في مصاف الدول التي تعيش في رفاهية مطلقة. من بين تلك الحكايات حكاية الشاب الفقير والصياد العجوز, وملخص الحكاية – كما رواها لي الراوي آنذاك – انه كان هناك شاباً فقيراً يشكو الجوع والحسرات لكل شيء ..قذف به القدر ليجلس على حافة ذلك النهر الهادر وقد تجمع عدد وافر من صيادي السمك وكل واحد منهم راح يقطف رزقه من ذلك النهر ويضعه في الاناء القريب منه. جلب نظر الشاب الفقير ذلك العجوز الطاعن في السن وهو يعمل بكل قوة ونشاط ويصيد اعداد لاتنتهي من تلك الاسماك ويضعها في الاناء القريب الذي سرعان ماوصلت الاسماك الى حافته العليا وراحت الاسماك تتساقط على الارض لعدم وجود مكان كافٍ لها في ذلك الاناء. بلا وعي شرع الشاب الفقير يحدث نفسه بصوت مسموع يصل الى مسامع الرجل العجوز وهو يقول ” آه..لو كانت لدي كل تلك الاسماك التي صادها ويصيدها هذا الرجل الكبير السن لذهبت الى السوق وبعتها واشتريت ملابس جميلة وطعام كثير ولكن ..واحسرتاه ..” . كان الرجل العجوز يستمع الى كل كلمة يتفوه بها ذلك الشاب العاطل عن العمل ..التائه في عالم الاحلام والخيال. بلا سابق انذار التفت الرجل العجوز الى الشاب الفقير وقال بصوت مرتفع ” تعال الى هنا انا في حاجة الى مساعدتك …امسك هذه السنارة او عمود صيد السمك وانتبه جيدا ولاتجعل سمكة واحدة تضيع ..لانها ثروة بالنسبة لي. سأذهب الى ذلك السوق القريب لأشتري بعض الحاجيات واعود لك ..هل تستطيع ان تقوم بهذه المهمة؟ ” . في غضون دقائق معدودة كان الشاب قد تعلم كيف يصيد السمك وكيف يسحبها الى مكان جمع الغنائم . كان سعيدا جدا . اما الرجل العجوز فقد كان ينظر اليه من بعيد ويراقب عمله بصورة دقيقة جدا. حينما عاد الرجل العجوز قال للشاب ” اسمع جيدا ..انت رجل تستطيع ان تحقق كل ماتطمح اليه لأنك ذكي ولكن لم تتوفر لك الفرصة المناسبة..انت تحلم وتتخيل الاشياء فقط دون ان تحاول خوض ميادن العمل التي تقودك الى تحقيق هدفك. خذ كل هذا السمك واذهب الى المدينة وبعه واشتري سنارة صيد وكل ماتحتاجه ومنذ بواكير الصبح غدا اريدك ان تكون هنا في هذا المكان لتعمل بكل جد ونشاط ” . لم يصدق الشاب ما كان قد سمعه من الرجل واسرع نحو المدينة لتحقيق اهدافه الكثيرة .

في الزمن الحاضر تحدث اشياء تشبه حكايتنا الخرافية لكنها واقعية نوعا ما. في حكومتنا هناك الكثير من يدعو الى محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية لكنهم لايفعلون اي شيء في ميادين الواقع الذي نعيشه وكل واحد يحاول ان يظهر في شبكات الاعلام بانه المنقذ المخلص لشعب العراق ولكن الحقيقة لاتتجاوز الا خطابات واحلام لم يعد يصدقها اي شخص في هذا البلد المنكوب. لدينا شباب يحلمون ويحلمون ولكن احلامهم لاتتعدى ميدان الخيال والاوهام فقط. لايوجد احد يوفر لهم الفرصة المناسبة لتحقيق الذات لابل لايوجد اي احد يشعر بوجودهم اصلا.

ولو تجاوزنا الخط الاخر وقلنا ينبغي عليهم تنظيم انفسهم من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب وتكوين جيش سري او تنظيم وطني لازاحة الصورة الضبابية التي تغطي ارض العراق ويعيدون لنا – هويتنا ووطننا وتاريخنا العريق..الطريق ملبد بالغيوم والمطبات والاشواك لكنه الطريق الوحيد للحصول على كل الاسماك التي حصل عليها ذلك الصياد . الترابط بين حكايتنا وواقعنا قريب جدا لو كان الانسان العراقي يطمح فعلا بتحقيق الذات واحداث التغيير…فالتغيير يتطلب عمل جبار يتناغم مع الواقع ..والواقع يتطلب عمل دؤوب لايعرف السباحة في عالم الخيال وندب الحظ والبكاء على الاطلال واستذكار تاريخ العراق البعيد ..قبل سبعة الاف سنة .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *