المحاصصة وفق معجم المعاني تعني التوزيع أو التقسيم ، وهو فعل صار وسيلة سياسية اعتمدها اللبنانيون في توزيع المناصب الحكومية بين الأحزاب والكتل السياسة وفقا لمعيار الطائفة أو العرق أو المذهب أو الدين ، فرئاسة الجمهورية للمسيحي الماروني ، ورئاسة مجلس الوزراء فهي للمسلم السني ، أما رئاسة البرلمان فكانت من حصة المسلم الشيعي ، وكانت هذه التقسيمات وراء الحرب الأهلية اللبنانية المعروفة بين العام 1975 ..1990 ورغم فشل التجربة السياسية اللبنانية فقد أخذ العراقيون بها وكانت هي الأخرى وراء الحرب الاهلية الطائفية المعروفة أسبابها والواضحة نتائجها على الارض، ومنذ صغري وانا استمع الى ما تشير إليه الإذاعات والصحافة من فساد أسر السياسيين اللبنانيين وصراع الشيوخ والخواجات على المناصب ومحاصصة المنصب او المال العام بين ال جعجع وال الجميل ، أو نهج كميل شمعون أو أحقية سليمان فرنجية ، أو مشاكل مقتل كمال جنبلاط أو تمرد حركة أمل ، وصارت المحاصصة وسيلة التراضي وأسلوب التغاضي ، وصار لبنان ( جنة العرب) دار صراع وحرب انتقلت بكل سلبياتها إلى العراق بعد الاحتلال حيث قرار مجلس الأمن رقم 1546 لعام 2004 ليحول العراق بين ليلة وضحاها من دولة شمولية إلى دولة ديمقراطية تأخذ بالنظام البرلماني ، لتسارع القوى السياسية وبايحات ايرانية الى استنساخ التجربة اللبنانية ، فصار رئيس الجمهورية كرديا ورئيس الوزراء شيعيا أما رئيس مجلس النواب فهو من الطائفة السنية ، وبدأ السياسيون في استنساخ الفساد اللبناني ووزعت الوزارات والهيئات توزيعا إقطاعيا واستحدث الآلاف من المديريات العامة كي تخضع بالمحاصصة إلى ملكيات تسجل في البرنامج الحكومي باسم هذا الحزب أو تلك الكتلة أو باسم هذا الشيخ أو ذلك الاغا، ، وصارت العناوبن السياسية وعلى الطريقة اللبنانية العريقة تؤسس الشركات والمصارف الأهلية وتؤسس الإقطاعيات الزراعية بعد أن استباحت اراضي أزلام النظام السابق أو اراضي الدولة الزراعية ، وهكذا نمت رساميل طفيلية جاهلة بأصول الاستثمار وتشكلت شريحة اجتماعية عالقة في الهواء تمتلك الأصول ولا تعرف الأصول.
وعند كل دورة برلمانية تؤسس حكومة على غرار التأسيس السابق وتعود المحاصصة لتلعب دورها في زيادة الفساد لأنها تقف في أعلى الهرم المفسد للنفوس والذمم والموزع توزيعا عادلا بين المتحاصصين من السياسيين أو الاذناب أو منزوعي الضمير الوطني ، وهكذا تراكمت الثروات بيد القلة القليلة وحواشيها وحماتها مقابل إفلاس الدولة وخزائن وزاراتها ، ومقال كل هذا الفساد جراء تلك المحاصصة وتقاسم الغنائم عند كل دورة برلمانية ، تشكلت بفعل كل ما تقدم طبقة اجتماعية كبيرة تعد بعشرات الملايين من الفقراء والمعوزين تتقدمهم تلك الفئات العمرية الشابة الباحثة عن العمل والمطالبة بالخدمات أو على الأقل بابسط حقوق المواطنة على الدولة وقد أثار حفيظة هذه الفئات الشابة إمعان القدوة بالفساد وتقديمها أسلوب المحاصصة على أنه الحل الاخير للموازنة بين أطياف المجتمع بعيدا عن آمال ألاجيال المتتابعة والتي بدأت تنظر بدون عدسات مكبرة أن هذه المحاصصة هي أعلى مراحل الفساد وأنها كانت وسيلة تدمير البلاد ، وهكذا ردت الشبيبة في انتفاضات متتالية منذ العام 2011 على هذا النهج المعيب ، وكان آخر تلك الانتفاضات الانتفاضة الكبرى في تشرين عام 2019 التي أعلنت صراحة أن المنهج القديم لم يعد صالحا لبناء العراق ، وان إزالة كل الوجوه القديمة ، هو البديل الامثل لإيجاد العراق الذي ضييعته المحاصصة التي ظلت تقف على قمة جبل الفساد ….