صورة ومصور ، فلكم ، هذا ال ” سيلفي ” الذي لن يليق إلا بأن يكون ” سليفي ” مع الله . ص10
الإنغماس في عالم الشعر والتفرد به مهمة معقدة وحساسة ترتبط بمجموعة من العناصر التي لابد أن يمتلكها فنان ماهر ، ونحن كقراء امام فنان وشاعر يكتب بلغة القلب والعقل ، ويؤرشف لتاريخ معاصر يعيشه ويرسل إشارت ذات معرفة فلسفية كأنه يدخلك في عوالم غريبة عجيبة نظرا لعجائبية اللحظة التي نعيشها .وهو يصوغ نظريته الخاصه بالنفس البشرية شعريا ً .وكلنا نعرف ان الشعر من المس الإلهي الذي يفجر الطاقة الإبداعية عند الكثير من الناس .
سأترك القصيدة كقلب ٍ مفتوح ينتظر عمليته الأخيرة ، فلا أجمل من ” كذلة ٍ ” تنسرح عبثية ً فوق وجنة ٍ من دون تصفيف ” ص9
إليس الشعر هو من يكتشف المعرفة عن الحقيقة ،إليس الشعراء هم فلاسفة وأن الفلسفة بدأت شعرا ،حيث يكمن بحثها عن أصل الكون والأشياء ، وكما يقال ان طاليس وهيراقليطس من الفلاسفة الطبيعيين الذين غاصوا في تلابيب الطبيعة كتابة ً ، وفي تجربة تجد الشاعر والمفكر السراي قصائد هي أهازيج فلسفية مفادها طروحات في الحكمة و تقديم لافكار فلسفية في صور شعرية متكاملة كاشفا واقعنا اليومي والحياتي عبر هذا الديوان الذي اطلق على تسميته ” حلويات ” والصادر عن منشورات ” دار دور ” للطباعة والنشر والتوزيع – بغداد ويفع الديوان في 182 صفحة وهو من القطع الصغير.
كلُ الحضارات ميداني وعاصمتي ، تُكذبان بأي ؟ تلك آلائي . ص22
يقول الفليسوف ” هايدغر ” الشعر بصفته تأسيسا للوجود عن طريق الكلام ” والذي يغوص في هذا الديوان يجد نفسه إمام اتهامات عديدة وكأن الشاعر ” السراي ” يحمل الكثير من الشعراء في زمانه المسؤولية الإنسانية والوطنية لما يحدث في عالمنا اليوم وما يسوده من جفاف اخلاقي ومعنوي ، وكأنه يرجع لمن سبقوه من الفلاسفة أمثال نيتشه أو غيره من الفلاسفة ليؤكد خطابهم وهي الدعوة للسعادة والبحث عنها والتفاؤل والأمل ، وبهذا يخاطب الجميع عبر ديوانه الذي استهله ومن خلال عنوانه ” حلويات ” وهي اشارات لعدة معاني في هذا الزمن الصعب الذي يكثر فيه التناحر والدم والموت ، وأجد كل المراحل التي مر بها شاعرنا ” السراي ” في هذا الديوان المليئ بالألغام عديدة لكنها صارخة أزاء هذا الواقع ويجب ان ننصت له ومن خلال هذه الوصية الملئية بالحياة أي ” اتصفوا بالمحبة والسعادة الداخلية والصلابة لمواجهة هذا الواقع الذي نعيشه .
” نمتلك كلَ شيء ، ميًتين مبتسمين في عبارة ، وغرقى لم تشفع لهم الأئمة ولا جسرهم ، وحنجرة ً عمرها ستة آلاف سنة ، ما زالت صالحة للغناء ، نمتلك موالّأ طويلاً لم يكتمل منذ أور إلى الآن ،ومسامير َ أسميناها كتابةً لنفقأ بها عين كل الكارهين ” ص14
وحتى لا نبتعد عن فحوى العديد من قصائد هذا الديوان الذي أخذ من وقتي الكثير في قراءتي لقصائده المعبرة والعابرة إلى الآخرين وكأنها انشودة وطنية يجب تخليدها عبر عدة مسارات ومنها أهمية انتصار الحياة على هذا العقل التي انطلق منه ” السراي ” القوة والشجاعة والمخاطرة ” حتى نُقِبل على هذه الحياة بكل طاقتنا ،مستخدما صوت الفنان الكبير ” داخل حسن ” رحمه الله ، معتقدا ان هذه المأساة النابعة من صوته لها وقعها على النفس البشرية لما للموسيقى واللحن من تاثير حسب قول الفليسوف ” فانغر ” اثر الموسيقى في فلسفة الشعر .
نفخ الله صوته في حناجر المغنين ، وبعثهم إلى أقوامٍ شتى ، إلا داخل حسن ، بعثه إلى الناس أجمعين . ص15 .
وشاعرنا عبر هذا الديوان يتبنى ولوج مساحة شعرية تجريبية مغايرة من حيث الطرح وبناء الرؤية الشعرية واستخدام الادوات الفنية الشعرية واختبار ذائقة المتلقي بدءا ً بالفكرة المطروحة وانتهاءا بطريقة نسجها شعريا ولاشك ان شاعرنا السراي وظف من وعيه الشعري لاجتراح تلك الباقة من الحلويات الشعرية المتمظهرة على شكل أنساق متنوعة الدلالة تحمل طعمها الخاص .
قال عنه الناقد العراقي الكبيرالأستاذ ” فاضل ثامر ” عمر السراي والبحث عن أفق شعري جديد ” ومع أن عمر السراي كان من الشعراء الذين وضعوا بداياتهم الأولى في أواخر التسعينات ضمن إطار ما سمي بشعراء ” قصيدة الشعر ” إلا أن حضوره الأبرز كان في المشهد الشعري الذي أعقاب الاحتلال ، ومن اصدارته الشعرية هي ” ضفائر سلم الأحزان ” عام 2005 ، وديوان ” سماؤك قمحي ” 2007 ، وديوان ” ساعة في زمن واقف ” 1999 ، فهو يعاقر الحزن والهزيمة والخسارة ، وهو مثل الطفل الذي يتلقف المرئيات بحساسية فطرية ويعيد تشكيلها .
ودع زورقا ً منك َ يشرب ُ أغصانها ، كي تبرعم أحلامُنا وطناً ونهارا ً . ص ٢٤