… تطبيق العمل الديمقراطي واحترام رأي الآخر والنزاهة والاخلاص في العمل والوطنية وغير ذلك من مقومات الحضارة الحديثة لاتأتي من فراغ ابداً فهي فيض من الثقافة يتلقاها الفرد منذ طفولته لتتشرب في دمائه وتترسب في عقله ، بل هي نشأة وجدانية ينمو عليها ويترعرع في احضانها منذ الايام الاولى لتكوين شخصيته التي تتقولب مع البيئة المحيطة بها وتتطبع بعاداتها وتقاليدها ، فهي تعتمد بالأساس كما هو معروف على اسلوب التوجيه والتعليم الذي يكتسبه الشخص من البيت والمدرسة او من مسرح الحياة في جميع أدوارها ، ولقد سبقتنا الشعوب الاوربية بعد حروبها الكبرى والمعاناة الانسانية التي شهدتها اجيالها منذ قرون طويلة وكانت آخرها الحرب الوحشية الثانية التي صنعها هتلر السفاح واتباعه من المتعطشين الى الدماء …أن مدى الحرية ومستوى الديمقراطية ومقدار الاستقرار التي وصلت اليها الآن الشعوب الغربية جاء بعد تعليم اجيالها عن مدى الفائدة التي تصيبهم من الاستقرار والسلام الذي سيعم اوطانها ومستقبلها في حالة وجود الوحدة والتسامح وحب الاخرين والثقة بالنفس وبالغير الى آخره .. لذلك نشأ في أوربا جيلين كاملين على مدى (30 عاماً ) مستقر ومتسامح لاعتماده على هذا المفهوم التربوي الجديد ، فما زالت مدارسهم تلقن اجيالها القادمة بهذا المفهوم الحضاري المتقدم .. اما نحن فلم نرى شيىء في مناهج تلاميذنا الدراسية يوصي بذالك ، والهم الوحيد الذي يشغل عقول مسؤولي التربية والتعليم على ما يبدو هو تبديل فصول كاملة من كتب مدارسنا كل سنة تقريباً وطبع كتب جديدة في مطابع لبنان أو مطابع محلية لاسباب غامضة وإلاّ ماهو تفسير تغيير المناهج بهذا الشكل المتكرر التي لايوجد مثيل له في العالم فقد صارت تلك المناهج العوبة بيد هذا وذاك ولا ندري هل ان المنهج الملغي لايصلح للتدريس أذن لماذا وضعته لجنة تربوية مخصصة لذلك وقد استلمت مبالغ كبيرة من وراء التأليف والاعداد ولماذا وافقت عليه لجنة اخرى مختصة بالتحرير والنشر في مدارس البلد … ننتظر الإجابة من فضلكم . اننا نتطلع الى ضمير لجان البرلمان الرقابية إن كان هناك من يسمع نداءنا ان يلحقوا طلابنا ويضعوا حداً صارماً لتجار تبديل المناهج وطبع الكتب من الذين يريدون الاستفادة من اموال التبديل ثانياً وثالثاً ورابعاً وعاشراً خلال سنتين وهذه حالة عجيبة ادعوا أن تدخل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية ، ندعوكم أيها المسؤولين في مؤسساتنا التعليمية وايها المعلمون وايها التربويون أينما كنتم أن تكرسوا مفهوم حب الغير والاخاء والاحترام والتسامح والمساواة ووحدة العقيدة وانعكاس منفعتها على مستقبل البلد والايمان الصادق والحرية والديمقراطية قبل أن تعطوهم درس الكيمياء والفيزياء والانكليزي فقد تأخرتم كثيراً في نشر هذه الثقافة التي تستطيع أن تحيك نسيح شعبي جديد من نوع واحد وتنسق فسيفساء المجتمع المتنوع بشكلٍ جميل ورائع وتعيدوا كل من يحاول ان يقفز خارج المدار الى مداره فبلدنا على طريق الهاوية وأخذ يتأرجح للخروج عن مداره فالحقوه قبل ان ينجرف بنا الى حافات ثقبٍ أسود و لايمكن عندها ان نعيده للمدار الآمن ثانية ً .