مدخل
1. لعله من الذي لا تنتطح به عنزتان ان الخلل في العملية السياسية والذي اورثته لكل ما غيرها من عناصر الاستراتيجية الشاملة (grand strategy) بأقسامها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية هو خلل بنيوي وخطير، ويمكن القول بل يمكن تسمية النظام السياسي القائم بحكوماته السبع الماضية بأنه نظام الازمة المستدامة والفساد العارم ، وهو نظام اللادولة الذي يؤسس للفوضى الشاملة .
2. عليه ونحن بهذا الوضع الآن واستلم السيد السوداني زمام السلطة التنفيذية وفشل لا سمح الله فهل نلومه ؟؟ وهل يحق لنا توجيه اللوم لأسلافه ؟؟ وهل نتوقع نجاح اي ممن سيأتي من بعده؟؟ كلا ان كنا منصفين ذلك لأن الخلل البنيوي هو في النظام السياسي القائم والحكومات كلها هي احد مفرزات نظام
(التوافق/المحاصصة /الشراكة) ، وهذا الثالوث المقدس هو ثالوث الدولة العميقة (الاحزاب وداعميها من الاجانب ومواردها من المكاتب وسلاحها غير الدستوري)
ودعونا نتذكر الظروف التي احاطت بالسيد الكاظمي ابتداء من ان يدوس جنود الحشد على صورة “قائدهم العام”” كما يقول قانون الحشد ، مرورا بالتهديد بقلع آذنيه او نصحه بان “يغلس” ومرورا بحالات التسقيط ، وصولا الى ضرب داره بطائرة دون طيار … النظام السياسي اتاح ذلك وقد يتح تكرار ذلك مع السيد السوداني المدعوم بأكبر كتلة في تأريخ النظام بفضل السيد مقتدى الصدر الذي هو عمليا لم يعط الاطار التنسيقي مقاعده السبعين بل اعطاه مقاعد حلفائه من عرب السنة والكرد ، خصوصا وأن التحالفات عادة ما تزدهر لحين اقتسام الكعكة ،بعدها تبدأ روح الفريق ( team spirit) بالتآكل ليجد المكلف انهم صاروا جماعات ، وعليه ان يرضي كل طرف على حدة واضعا نصب العين تجربة جونسون وليزا تراس وسوهاك
3. دعونا نسأل السؤال الخبيث الآتي: لماذا تمكن الاقليم من “صناعة الامن” ولا اقول التطور والتحضر لأن النجاح عمره لم يكن بتبليط الشوارع بل ببناء المصانع ومراكز البحوث (وتحقيق الاستقرار والمصالحة السياسية والمجتمعية ) وقد نجحوا بتحقيق انجح وأسرع مصالحة في التاريخ الحديث والمعاصر دون نظريات ومؤتمرات مزيفة ووعود كاذبة .. باختصار وبساطة عرفوا ان عليهم لمتطلبات المصلحة الوطنية العليا للكرد ان يرموا صراعاتهم المضرجة بالدم والمآسي خلفهم ويتجهوا نحو المستقبل ، ونحن رمينا المستقبل خلفنا واتجهنا بكل اصرار وحماس لنصبح لسنا عربا بل ولسنا عراقيين بل اصبحنا سنة وشيعة ولذلك لم نحقق المصلحة الوطنية العليا لشعب العراق ، وبدأنا بالاجتثاث لعمنا الغازي بريمر وطورناه الى المساءلة وعظمناها بالحظر وعززناها بقطع الارزاق عن ارامل وأيتام هم اكثر براءة من البراءة نفسها ورسخناها بقوانين عدالة انتقالية اخرى تفيد باغتصاب اموالهم المنقولة وغير المنقولة ، وأقول اغتصاب بثقة لأنها جرت بموجب قانون غير دستوري بالمطلق ، وتشددنا في تحريف تلك القوانين غير الدستورية من خلال تطبيقات لهيئات تنفيذية عاشت على جسد القضاء واضرت بكيانه ، وقد ساهم القضاء في ذلك بإقرار بعض القرارات التي اتخذتها تلك الهيئات والتي يعد بعضها قرارات معيبة بعيب الاختصاص الجسيم .
4. تابعت تصريحا للسيد السوداني قبل سنين مفاده ان الوضع سيء للغاية وأنه بحاجة الى حلول ثورية وجذرية ، وسأنطلق في نقدي البناء والسريع لبرنامج يريد ازالة كل هذه الكوارث ، واسمحوا لي بالآتي
5. مناقشة فقرات البرنامج الحكومي
اولا . ان تقويم العملية السياسية كما اشرنا لا بد له من خطوة اولى محددة واضحة .. تبدأ بالتشريعات (القوانين) ولعل تعديل القوانين لن يكتب له النجاح قبل تعديل الدستور (( القانون الاسمى والاعلى في البلاد..)) خصوصا وأن البرنامج احتوى على فقرة ” تعديل قانون الانتخابات خلال ثلاثة اشهر ” فهل ان النية متجهة الى ابقاء المادة (70) من الدستور والثلث المعطل وتعود حليمة الى عادتها القديمة تلك الحليمة نفسها التي دمرت لبنان حين ادخلت في دستورها للعام 1927 المعدل نصا يقول بالمادة (23) منه ،(( توزع المقاعد النیابیة وفقاً للقواعد الآتية :أ – بالتساوي بین المسیحیین والمسلمین .ب – نسبیاً بین طوائف كل من الفئتين. ج – نسبیاً بین المناطق. )) ؟؟؟ وهل ستبقى كلمة (المكونات) التي تطرز حتى المادة (9) المتعلقة بالقوات المسلحة ؟؟ الا يمكن استبدال تلك الكلمة بعبارة تعدنا شعبا عراقيا ؟؟ ، هذا وأن استمرار الهروب الى امام بمهمة تعديل الدستور بحجة حق الاعتراض الدستوري يمكن حلها فالسياسة لا تعدم وسائلها ، وعلى كتبة الدستور ان يتحملوا وزر ما فعلوا عندما وافقوا على الفيتو الكردي والذي رفضه سماحة السيد السيستاني برسالة الى بريمر قائلا ” هل يمكن لثلاث ولايات ان تنقض خيارات الشعب الامريكي برمته ؟؟؟ ”
ثانيا . لا يوجد اخطر من مهمة تحديد الاولويات ، وأرى بكل تواضع ان الاولوية الاولى تكمن في كشف جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبت بحق المتظاهرين السلميين اولا ، والباقي حسب تسلسلها التاريخي وبسلة واحدة ( الزركة – الحويجة – قاعدة البطل التميمي الذي جندل بطائرته طائرة الغازي سبايكر – الصقلاوية (مدينة النساء) – الرزازة) فلا يمكن بناء سلم اهلي ومرتكبي تلك الجرائم لم ينصفهم القضاء .
اما الأولوية الثانية فتكمن في حصر السلاح المنفلت اي كان نوعه لأنه محظور دستوريا ، وتفعيل قانون الحشد الشعبي بما يضمن تفعيل المادة الخامسة من قانون الحشد التي تؤكد انهم قوات مسلحة رسمية ترتبط بالقائد العام ، والعمل السياسي محظور على كل افرادها اسوة بالقوات المسلحة الاخرى ، ناهيك عن سلاح العشائر ، او اية قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة .
ثالثا. أن حل مشكلة البطالة الواردة في المادة (1) من البرنامج يكمن نجاحها في معالجة “البطالة المقنعة ” اولا فهي اخطر من البطالة ذاتها يتزامن معها ترشيق وزارات الدولة العراقية المترهلة الى حد مؤلم ، واعطيكم مثلا عن وزارة الدفاع التي فيها (15) فرقة يقودها (15) فيلق “قيادة عمليات” ، وهذا امر غير مقبول حتى في قبائل الزولو ، ولدينا قيادة قوات برية شكلت بعيدا عن الدستور يقودها فريق وعدد لا بأس به من كبار ضباط الجيش العراقي والمراتب عددهم (500) وقوة حمايتها عددهم (500) ، فضلا عن وجود دوائر تضم عدة مديريات زائدة عن الحاجة تماما ، والزيادة في اي هيكل تنظيمي ، وكل هذا التضخم هو في الاعلى يقابله نقص في الوحدات المقاتلة يمكن وصفه بأنه خطير .. اما باقي الوزارات التي كانت قبل 2003 تدار بأقل من ربع الأعداد الحالية ومنه الشركة العامة لاستيراد الحديد والخشب التي تستورد كل المواد الانشائية ايام البناء في الخطة الانفجارية كان موجودها (175) موظف فقط في عموم العراق .
رابعا . نقترح اضافة مبدأ الى المادة (3) المتعلقة بالمبادئ وهو ” لا موازنة الا بعد مناقشة الحساب الختامي لما قبلها ” حيث ان غياب الحساب الختامي هو جريمة بحق الشعب العراقي والذي لم يتحقق بعد 2003 الا مرة واحدة ايام السيد العبادي ولم يتكرر .
خامسا . اضافة فقرة الى المادة 3-اولا الحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر تنص على ” العمل على تعديل قانون التقاعد الموحد الذي نص على منح المستقيلين وفئات اخرى راتبا تقاعديا يعادل 75% من راتب الحد الادنى لأن الحد الادنى هو حد ادنى لا يجوز النزول عنه اخلاقيا على الاقل .
سادسا. “العراقيون متساوون ” وعلى اساس ذلك لا يمكن منح نائب العريف المتقاعد في الجيش السابق مكافأة نهاية خدمة تعادل 15% من راتب عاملة تنظيف في روضة اطفال ، اما اللواء الركن في الجيش السابق فمكافأته تعادل مكافأة تلك العاملة التي اكن لها كل التقدير .
سابعا . وفي سياق نفس المادة اعلاه نقترح اضافة فقرة ” استناد الى الدستور والنظام القانوني العراقي المتكون من كل قوانين التقاعد ، والتي حددت حالات ايقاف الراتب التقاعدي بالخيانة العظمى والهروب الى جانب العدو ومن يحكم بالإعدام يؤول راتبه الى خلفه ، وبالتالي واستنادا الى ثوابت احكام الاسلام التي حرمت المادة (2) من الدستور سن قانون يتعارض معها ينبغي تنفيذ امر الرحمن الرحيم ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) واعتبار الحقوق التقاعدية للخلف والارامل والايتام حقا مقدسا لا يجوز المس به تحت اية ذريعة كانت . ، وفي نفس السياق ينبغي طلب تحديد المدة الزمنية لسريان قوانين العدالة الانتقالية من المحكمة الاتحادية العليا
سادسا . زيادة رواتب المتقاعدين حسب نسبة التضخم حق اورده نص قانوني واضح ولا داع للتهرب منه خصوصا وأن التضخم صنعته الحكومة بفرار رفع سعر الدولار .
سابعا . ينبغي العودة الى جادة القانون في موضوع صرف الرواتب التقاعدية ، حيث ان المعاش حق قانوني ، وأصل ذلك الحق هو التوقيفات التقاعدية التي اودعها الموظف في صندوق التقاعد تدعمه الموازنة العامة بنسبة 15% ولا يجوز قانونا في كل دول العالم صرف اي راتب لأي كان وهو غير مساهم في هذا الصندوق ، وللمشرعين خياراتهم المتعددة عدا خيار التلاعب بحقوق المساهمين في الصندوق ، كمنح الشهداء من غير الموظفين وحالات تكريم التضحية والفداء الهبات من الموازنة او قطع الاراضي او بناء دور سكنية لهم ، او كل ذلك مع التأمين الصحي المجاني وغير ذلك الكثير ، ووفق هذا الفهم القانوني السليم يعد اي قطع لراتب المساهم في الصندوق ” خيانة امانة” وضعها المساهم في الصندوق .
وللحديث بقية