وهذا‭ ‬ضيف‭ ‬جديد‭ ‬قد‭ ‬حطّ‭ ‬على‭ ‬زقاقنا‭ ‬مثل‭ ‬طير‭ ‬سعد‭ ‬مبهج‭ . ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬أعتق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقودني‭ ‬إليه‭ ‬المصادفة‭ ‬الحسنة‭ . ‬سيكون‭ ‬الفصل‭ ‬الليلة‭ ‬عن‭ ‬“سيارة‭ ‬الجرائد”‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬السيارة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أراها‭ ‬قبل‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬وهي‭ ‬توزع‭ ‬الصحائف‭ ‬والمجلات‭ ‬على‭ ‬أكشاك‭ ‬وبسطات‭ ‬باعة‭ ‬الفجر‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الورق‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬ألقه‭ ‬وقارئيه‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬تقلص‭ ‬حجمها‭ ‬وخفت‭ ‬بضاعتها‭ ‬وقلّ‭ ‬عمالها‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬قوية‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬مكانة‭ ‬الجريدة‭ ‬الورقية‭ ‬وصعود‭ ‬نجم‭ ‬الجريدة‭ ‬الإلكترونية‭ .‬

شاب‭ ‬صغير‭ ‬مقمط‭ ‬ببنطرون‭ ‬كاوبوي‭ ‬ممزق‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬الركبتين‭ ‬،‭ ‬يسوق‭ ‬مركبة‭ ‬صغيرة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬فوق‭ ‬الرصيف‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الزحام‭ ‬الشديد‭ . ‬رزمة‭ ‬جرائد‭ ‬تتكئ‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬الخلفي‭ ‬بكسل‭ ‬وتثاؤب‭ ‬مثل‭ ‬السائق‭ ‬الغض‭ ‬الذي‭ ‬يستل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬وينزل‭ ‬من‭ ‬مركوبته‭ ‬ببطء‭ ‬ليدسّ‭ ‬الصحيفة‭ ‬ببطن‭ ‬صندوق‭ ‬حديدي‭ ‬معلق‭ ‬بباب‭ ‬جاري‭ ‬الحميم‭ ‬الذي‭ ‬أحبه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬سعاله‭ ‬تكاد‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الجلبة‭ ‬التي‭ ‬يحدثها‭ ‬فيلق‭ ‬جنود‭ ‬مدرّع‭ ‬وهو‭ ‬يعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬تموضعه‭ ‬بعد‭ ‬ليل‭ ‬الهزيمة‭ ‬المرة‭ .‬

صحف‭ ‬الورق‭ ‬تفقد‭ ‬مميزاتها‭ ‬المغرية،‭ ‬وليس‭ ‬بمستطاعها‭ ‬إعادة‭ ‬إيقاظ‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬وجرّه‭ ‬صوب‭ ‬كشك‭ ‬البيع‭ ‬ليشتري‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نشرت‭ ‬على‭ ‬صدرها‭ ‬صورة‭ ‬للمحبوبة‭ ‬كيم‭ ‬كاردشيان‭ ‬وهي‭ ‬تبصم‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬تأمين‭ ‬مؤخرتها‭ ‬الهائلة‭ ‬ضد‭ ‬الضرر‭ ‬الطارئ‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬منه‭ ‬عيون‭ ‬الحسّاد‭ ‬والحاسدات‭ .‬

تحت‭ ‬يمينك‭ ‬الآن‭ ‬قراءة‭ ‬الصحف‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وخبر‭ ‬الواقعة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬قبل‭ ‬دقيقتين‭ ‬سيصل‭ ‬شاشة‭ ‬هاتفك‭ ‬بعد‭ ‬دقيقة‭ ‬،‭ ‬وكاتبك‭ ‬المفضل‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬قد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬كاتب‭ ‬إلكتروني‭ ‬ومن‭ ‬السهل‭ ‬إيجاده‭ ‬وهو‭ ‬يحرث‭ ‬أرض‭ ‬مارك‭ ‬أبو‭ ‬الفيسبوك‭ ‬،‭ ‬فما‭ ‬حاجتك‭ ‬للجريدة‭ ‬الورقية‭ ‬وقد‭ ‬شلتها‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬استعمالها‭ ‬كفرشة‭ ‬تزرع‭ ‬فوقها‭ ‬صحون‭ ‬الطعام‭ ‬وأكواب‭ ‬الشراب‭ ‬وقشور‭ ‬البصل‭ ‬والليمون‭ ‬وفتافيت‭ ‬الخبز‭ ‬وحبات‭ ‬الرز‭ ‬التي‭ ‬تمطر‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬أطفالك‭ ‬المشاكسين؟‭!‬

صحف‭ ‬عملاقة‭ ‬قد‭ ‬أغلقت‭ ‬أبوابها‭ ‬وسرّحت‭ ‬كتابها‭ ‬وعمالتها،‭ ‬وأخرى‭ ‬صغيرة‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬من‭ ‬قرائها‭ ‬المخلصين‭ ‬سوى‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬وزوجته‭ ‬وأمها‭ ‬وجدتها‭ ‬لأبيها‭ ‬،‭ ‬وبعض‭ ‬الكهول‭ ‬الذين‭ ‬يتلذذون‭ ‬بقراءتها‭ ‬مع‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭ ‬وباكيت‭ ‬سكائر‭ ‬وفيروز‭ ‬دام‭ ‬ظلها‭ ‬وصوتها‭ ‬المعجزة‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *