مع تشكيل كل حكومة في العراق، يبدأ مسلسل قصر النظر في كل شيء، من توزيع الحقائب بوصفها تمثيلا عادلا للمكونات داخل العملية الانتخابية السياسية وصولا الى الطموحات المتواضعة للمتقاعدين والعاطلين عن العمل واحلام الناس بصحة الخدمات الصحية. ويضاف الى ذلك المعارك المفتعلة الصغيرة حول شغل حقيبة وترك حقيبة، كأنّ التشكيل الوزاري، وفيه ما فيه، هو الخلطة السحرية لأمراض مستوطنة بالبلاد.
لا يوجد توجهات استراتيجية نحو خيارات بناء البلد من الأساس، وما جرى تصويره في حكومة عادل عبدالمهدي المهترئة والدموية بامتياز ضد ثوار تشرين، في انّ حل مشاكل العراق مرهون بالاتفاقية الصينية التي ستجهز البلاد، كما تُجهّز العروس من الابرة الى تاج الرأس الذهبي انما هو سقوط في نظرة أحادية تتوهم ان العراق يعيش منعزلا عن عوامل دولية ضاغطة وكبيرة، وانه ليس مركزا قطبيا للسياسة الامريكية الخارجية في الشرق الأوسط منذ حرب2003 المكلفة جدا على واشنطن. هذه الأوهام قادت، تحت التأثير الإيراني المباشر الى التعويل الوهمي على قوة لم يكن لها منذ نيلها عضوية مجلس الامن الدولي عقب الحرب العالمية الثانية، أي حضور استراتيجي في الشرق الأوسط المجير أمريكيا مع تطعيم روسي، كما كان في العراق وسوريا والجزائر وليبيا من حيث التسليح واتفاقيات الدفاع المشترك الفارغة من أي معنى حقيقي.
في العراق، جرى توقيع الاتفاقية الاستراتيجية مع واشنطن، وفيها بنود اقتصادية وتجارية ومالية وصناعية وزراعية ونفطية خارج المجال العسكري والأمني الأساسي. وانّ الاجدر بكل الحكومات ان تتعامل بجدية مع واشنطن من خلال نقل مستوى تطبيق هذه الاتفاقية الى ما هو أعلى بكثير من السقف المتداول الحالي، فضلا عن الضغط لجعل التزام واشنطن أكبر مما هو حاليا من اجل إعادة بناء البلد الذي دمرته أولاً آلة الحرب الامريكية ثمّ فساد الحكومات المحلية المتعاقبة على النهب والمتاجرة بالشعارات الوطنية لصالح دول وجهات لا تريد الخير للعراق من قريب او بعيد.
إنّ الخيار الأفضل والأكثر أماناً والذي لا يستجلب استعداء قوة عظمى على البلد المترنح هو الصعود درجة في تفعيل الاتفاقية الامريكية بشكل حقيقي، بدل تركها محاصرة برياح من صنع النافخين في مشروع الاتفاقية الصينية التي قد تحرق البلد من حيث ندري ولا ندري.
هذا لا يعني ترك باب الانفتاح على التعاون مع الصين كما تتعامل دول المنطقة، لكن ليس بمعنى التورط في لعبة ما مع القوى العظمى ، ليس للعراق إمكانية تحمل نتائجها.