غير مقبول مطلقاً من الحكومة العراقية الجديدة أن تردد كسابقاتها او كالبرلمانيين شبه العاطلين عن العمل تلك الجمل الانشائية الرنانة التي تبدأ بمفردة(ندعو) و(نندد) و(نناشد)، ذلك انها الجهة التنفيذية الأولى التي لها الصلاحيات المخولة كاملة والموازنة المالية التي تفيض عليها من زيادة انفجارية في أسعار النفط، وان المنتظر من الحكومة قرارات داخلة حيز التنفيذ عند إعلانها وليس معلقة في علم الغيب.
هذا اول مبدأ من مبادىء فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ألا وهو معرفة حدود الصلاحيات وابعادها والتصرف باقتدار في قرارات مدروسة، وفيها روح الاجتهاد لمعالجة مواطن الخلل وما اكثرها في البلاد المترنحة. فقد تعارف السياسيون على التغني بمسألة فصل السلطات كونها تعني عدم تدخل الجانب التنفيذي في الجانب القضائي او التشريعي، وهذا مستوى متدن من الفهم لهذه العلاقة الاشكالية بين السلطات، إذ انّ السلطة التنفيذية التي تحمل مسؤولية إدارة البلد، عليها التزام حقيقي في السعي الى السلطتين الأخريين في استكمال ما لم تستطع إنجازه وحدها، وبما يعزز قرارات المصلحة الجماعية، ولكن ليس كما حدث مراراً في الاستغلال السياسي للملفات التي كانت تثار على الأصعدة الثلاثة لغايات التصفية ليس أكثر.
انَّ بلدنا الذي يعيش تحولات لا ترتقي اليها الفرشة السياسية التي تظهر في واجهته اليوم يستلزم وجود قيادة تنفيذية غير مترددة في انجاز ما عجزت او تجنبت الطبقة السياسية إنجازه في الميدان السياسي والاقتصادي والخارجي لأسباب شتى، وانّ هذا الأداء العالي فيما لو اتصفت به الحكومة الفتية، وهذا افتراض غائم مع الأسف، فإنّ هناك علامات قابلة للولادة في اجتراح مقتربات طريق جديد.
في المحصلة، لا يجوز أن يبقى المواطن العراقي يقارن ويفاضل بين السيء والأسوأ في الحكومات التي تمر أمامه ، لابدّ من أن تولد حكومة لها هيبة القبول في نفوس المواطنين، وهذا ما جرى التعارف على تسميته بإعادة هيبة الدولة، ذلك انّ هيبة المواطن هي هيبة الدولة، فمَن يعيد اليه “مواطنته” العابرة للانقسام الطائفي في كل مناحي الحياة، لكي يبرز عنوان هيبة الدولة فوق كل العناوين؟