تشدد الأدلة العملية لتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على امرين هما المنع والردع واعتبار وقوع جرائم الفساد انتهاكا لأحكام هذه الاتفاقية لذلك وضعت نظام الحكم الرشيد تطبيقات نظام النزاهة الوطني حالة حتمية تتطلب الانتباه اليها عندما تتوفر الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ،الاحظ الخطوات الأولية لرئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوادني قد انتهت لتطبيقات الحكم الرشيد وربما تتوفر إرادة سياسية لتحالف إدارة الدولة في هذا السياق لابد من التذكير بأهمية التعامل المحنك لردع ومنع مفاسد التخطيط في وضع مواد الموازنة العامة لعام 2023 كواحدة من القضايا الفاصلة في موضوع التصدي لمواجهة “هوامير” الفساد السياسي في عراق اليوم من خلال الاتي :
أولا : تضمين قانون الموازنة العامة المقبل فقرات واضحة عن ربط المخصصات التشغيلية بما فيها الرواتب مع تطبيق الجودة الشاملة على الخدمات التي يقدمها الجهاز الحكومي، اعتقد ان نظام الجودة الشاملة له اقسام متخصصة في كل وزارة وله قسم لقياس الأثر في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، لكن مع ذلك نشهد ان إنتاجية الموظف العراقي في المعدل العام لا تتجاوز 17 دقيقة ، فكيف يتسق ذلك القياس مع معايير الجودة الشاملة مثل هذا الربط بين امتيازات التخصيصات المالية في الموازنة التشغيلية بما فيها الرواتب مع الالتزام الكلي بمدخلات معايير الجودة الشاملة يجعل من قياس الأثر أداة ردع واضحة ضد الفساد الإداري بشتى صنوفه التي تتعارض كليا مع الحكم الرشيد والجودة الشاملة .
ثانيا: اخضاع تقديرات الوزارات والهيئات الحكومية بما فيها القوات المسلحة ومجلس القضاء الأعلى وبقية الجهاز الحكومي القباض لرواتبه من المال العام الى معايير الجودة في الإنتاجية التي توفر” خدمات إبداعية وابتكارية ” لتقليص الروتين وزيادة جودة الخدمات التي تقدم للمواطن وربما يظهر ذلك في أفضل انوع الخدمات الصحية والبطاقة التموينية والتعامل مع روتين المحاكم ومراجعة دوائر الدولة مقابل تلك الزيادة الكبيرة في اعداد الموظفين وعدم العدالة في اناطة الواجبات بهم ما بين دائرة وأخرى.
ثالثا : منذ عقد وربما اكثر ما زال الجهاز الحكومي العراقي يتدرب ويبني قدراته لتنفيذ الزامات العراق لتنفيذ الحكومة الالكترونية ومن ثم الذهاب الى الحوكمة الالكترونية ، لهذا يتطلب تضمين قانون الموازنة الاتحادية دليل انجاز الجهاز الحكومي لهذا الالتزام ، ابرز مثال على ذلك تصريح السيد مسرور برزاني مؤخرا ان حكومة إقليم كردستان ستغادر التعامل بالأوراق عام 2025 ، السؤال هل يستطيع أي مسؤول عراقي تحديد موعد لمغادرة الدوائر الاتحادية للتعامل بالأوراق واستبداله بالحكومة الالكترونية ؟؟
رابعا : أيضا ضمن فقرات الموازنة التشغيلية لابد من تحديد صريح لمنح المخصصات الإضافية مثل المخاطر والأماكن النائية ،فمثلا لم يعد العمل في المنطقة الخضراء عرضة للمخاطر التي تتطلب منح جمهور واسع من كبار الموظفين مخصصات خطورة ، كذلك العاملين في القوات المسلحة في أماكن بعيدة ، فواقع التطوع للقوات المسلحة ونظام الاجازات يعوض عن ذلك، ويمكن مراجعة جداول الدوام لموظفي الكثير من المؤسسات الخدمية لقياس اثر الإنتاجية وفق معايير الجودة الشاملة وما هو واقع منح المخصصات الإضافية التي تثقل الموازنة التشغيلية وأيضا تضع متغيرات ما بين وزارة وأخرى .
خامسا: لا تعن وفرة المال العام بعثرته على ايفادات وشراء اثاث جديد وسيارات دفع رباعي، كما لا يعني استمرار وجود من يوصفون ب” الفضائيين ” وهم الموظفين المفرغين من الجهاز الحكومي للعمل في الأجهزة الحزبية كحمايات او موظفين في مقرات هذه الأحزاب، فكلا الحالين مطلوب الانتباه عليه في تخطيط فقرات الموازنة التشغيلية المقبلة.
سادسا: اكرر الدعوة لوزارة التخطيط بوضع نظام إدارة اجراءات العمل “Ding Business ” لكل الجهاز الحكومي بما يحكم سياقات تنفيذ أي معاملة إدارية مثلا تجديد “سنوية سيارة” ما الخطوات المطلوبة وكل خطوة كم يخصص لها من الوقت لكي تنتهي فهذا ابسط أنواع قياس الأثر في الجودة الشاملة.
ما بين هذا وذاك يبقى الحديث عن مفاسد التخطيط في وضع مسودة حاجات الجهاز الحكومي من المال العام مقابل جودة الخدمات من الأمور المغيبة كليا على وزارتي التخطيط والمالية، وكل عام يتحول قانون الموازنة العامة الى ” مزاد علني ” لترضية الأحزاب أيضا حسب الوزن لعدد مقاعد مجلس النواب، فهل يمكن مغادرة هذا المزاد نحو قياس الأثر في توظيف المال العام لتوفير خدمات يلمسها “المواطن / الناخب”… سؤال مطروح للنقاش، ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!