لا بدّ من وقفة علمية جادة ومسؤولة في إعادة رسم خارطة التعليم العالي في العراق، اذ لا تزال الجامعات تضخ الى سوق -البطالة- ولا أقول سوق العمل، جيوشا من خريجي الدراسات الإنسانية، من دون تفرز أية علامات او دلائل، الا نادرا، على تميز اعداد قليلة جدا في مجال اختصاصاتها.
العراق بحاجة الى التركيز على الاختصاصات العلمية ووقف نزيف الشهادات في اختصاصات تفوق كثيراً عن حاجة البلد في التعليم الاعدادي أو الجامعي في اختصاصات إنسانية مختلفة.
كما يجب ان تكون كفة الزمالات والبعثات في الاختصاصات العلمية، لاسيما النادرة، هي الراجحة لمواكبة الحاجة الفعلية لبناء قاعدة صناعية وزراعية وتنموية في شتى الميادين، بعد سنوات من تحلل الدولة ومؤسساتها تحت تأثير حروب سابقة وأوضاع شاذة في بعض المدن المدمرة الى جانب الإهمال الناتج عن المحاصصة المقيتة والمتخلفة في مجال التعليم العالي بما يلحق الأثر السيء بقطاع ينبغي أن يكون نهضوياً لا تراكمياً وخاملاً ومعطلاً.
نحتاج الى تنسيق تخطيطي عالي المستوى، أكبر من رؤية وزارة بعينها، في رسم معالم السنوات المقبلة، فالبلد لا يُبنى بتوزيع حقائب على عدد من الأحزاب وتتشكل بعد ذلك حكومة ثم تمضي، في حين لا يعرف أحد ما هو الثقل العلمي الذي يمكن ان تتأسس عليه قاعدة صناعية وطبية وهندسية ونفطية وغيرها.
أعرف انَّ هناك وزارة للتخطيط، ولها إحصاءات وجداول وأرقام، لكن ذلك كله يجب ان يحضر في خطة محكمة لا تهاون فيها، في رسم قواعد علمية رصينة تعرف ما نحتاجه في القطاع العام او القطاع الخاص وكذلك في البنية الأساس للبلد ولمدى زمني منظور.
في السعودية، الدولة العربية النفطية المجاورة، رسموا خطة تنتهي في 2030 اخذت في اعتبارها عدم هدر أي مجال علمي لصالح مجالات فائضة عن الحاجة ولا ينهض بها البلد ابداً لاسيما انّ هناك اكتفاء ذاتي كبير فيها.
المصيبة في العراق هي انّ الشهادات العليا في اختصاصات دينية وأخرى خارج العلوم الصرفة بدأت تغزو كل موقع في الدولة، ونجد هناك جامعات في بلدان عربية او مجاورة تصدر لنا كميات من حمَلة هذه الشهادات التي لا تنفع في شيء سوى تباهي أصحابها في مواقع سياسية معينة، كما انّ الدراسات الأولية مزدحمة بهذه الاختصاصات الزائدة عن حاجة البلد.