الشتاء حليف روسيا الصامد ، عبارة رددها الباحثون والمؤرخون عندما كتبوا عن حروب هذا البلد الثلجي ذو التاريخ العريق الذي قاتل الغزاة وصمد أمامهم بفضل ثلوجه التي أرهقت أعداءه وشكلت مانعاً طبيعياً ومستنقعاً ثلجياً غطس فيه كل من حاول غزو روسيا عبر التاريخ . ففي مطلع القرن الثامن عشر قرر ملك السويد الشاب شارل الثاني عشر غزو روسيا في عقر دارها رداً على طموحات ومحاولات القيصر بطرس الأكبر الوصول الى سواحل بحر البلطيق ، فاتبع الروس خطة الانسحاب أمام تقدم جيش السويد الذي أصبحت خطوط امداداته طويلة وضعيفة ، في وقت كانت برودة شتاء عام 1708 قاسية على الجيش السويدي مما أدى الى موت نصف الجنود قبل بدء معركة بولتافا عام 1709 واستسلم الباقون ، ولجأ الملك شارل الثاني عشر الى العثمانيين لتنتهي زعامة السويد على شمال أوروبا الى الأبد ، وليسيطر قيصر روسيا على سواحل بحر البلطيق .
هزيمة نابليون بونابرت
وفي عام 1812 غزا نابليون بونابرت ، المزهو بانتصاراته وسيطرته على أوروبا ، روسيا ، فانسحب الروس الى الداخل ووصل نابليون موسكو ليدخلها وهي فارغة من سكانها والنارتشتعل فيها بأمر من حاكمها وفق خطة روسية محكمة ، فارتد نابليون خارج المدينة واضطر الى الانسحاب بعد أن رفض قيصرروسيا طلب الصلح منه بانتظار فصل الشتاء ، فكان تراجع نابليون وجيشه وبالاً عليه ، فقد وقف الشتاء ، حليف روسيا الصامد ، في وجهه ، ومات عشرات الآلاف من جنوده برداً وجوعاً وهم يواجهون هجمات الفلاحين القوقاز عليهم (الجيش الابيض)، ولم يبق من جيش نابليون سوى 100 ألف جندي من مجموع ثلاثة ارباع المليون دون الخوض في معركة رئيسة. فكانت هذه الهزيمة السبب الرئيس في نهاية نابليون وامبراطوريته في أوروبا .
هزيمة ادولف هتلر
وخلال الحرب العالمية الثانية ارتكب هتلر الخطأ نفسه الذي ارتكبه من قبل ملك السويد ونابليون ، عندما غزا روسيا ، ليقف في وجهه شتاء روسيا وحليفها الصامد ، رغم حصاره لموسكو وستالينغراد ، فتراجعت جيوشه وتدمرت وهي تغوص في ثلوج روسيا البيضاء ، فقتل الآلاف منهم ودفنوا فيها ، لتصبح الجبهة الروسية بداية النهاية لهتلر التي أنقذت أوروبا منه .
الهزيمة المتوقعة
واليوم ، وفي ضوء قراءة القيصر الجديد بوتن للتاريخ ، فانه يخوض اللعبة نفسها التي خاضها من قبله بطرس الاكبر ومن تبعه من القياصرة الروس ، ولكن بطريقة جديدة تتلاءم مع الواقع العالمي المعاصر ، فهو لا يحتاج الى دفن جنود أعدائه في ثلوج روسيا البيضاء ، وانما يريد ان يجعل من موارد الطاقة الروسية وسيلة لهزيمة اوروبا والولايات المتحدة الامريكية بانتظار مجيء حليف روسيا الصامد ، الشتاء ، الذي من المتوقع أن يجبر أعداء روسيا على الركوع أمام انتصار بوتن في معركة موارد الطاقة الروسية . فمثلما قاسى جنود الغزو على روسيا من برودة الشتاء الى درجة الموت ، فان شعوب أوروبا قد بدأت مع اطلالة الشتاء تعاني الان من الحالة نفسها ، لتجبر حكامها على التراجع كما تراجع ملك السويد ونابليون وهتلر . فهل سيحقق القيصر بوتن ما حققه اسلافه من انتصارات ؟