التجارب المريرة والمتكررة في التعامل مع الدستور العراقي تعطي الانطباع القوي انّ هذا الدستور كان غير قادر على حماية نفسه من مستهدفيه الذين يفترض انهم حماته كونهم كانوا أساس تشريعه والمساهمين في كتابته وظهوره قبل سنوات.
لا توجد أية ضمانات يمكن الاستناد اليها في النظر الى مستقبل آمن للدستور العراقي من حيث التطبيق على الواقع، اذا استمر النهج القديم في التعاطي مع الشؤون السياسية والاقتصادية الكبرى.
أول خطر يواجه الدستور هو الخروقات التي تستهدف المُدد الدستورية المستحقة ما بعد كل نتائج انتخابات. وهذا الامر لا نهاية له، لسبب جوهري هو انّ الدستور نفسه لا ينص على بنود عقابية رادعة للمُتسببين في الخروقات والتجاوز على نصوصه.
خبراء الدستور مدعوون الى التفكير جدياً في انّ أيّ تعديل ممكن للدستور يجب أن يكون جوهرياً بما يزيل أي تأويلات غامضة لنصوصه ويجعله حدا فاصلا بين الأشياء والمواقف والقوانين حين يلتبس بعضها مع البعض الآخر، لاسيما تلك البنود التي تثير الخلافات حول الثروة والقضايا الإدارية بين بغداد واربيل والفترات الدستورية المتصلة بتداول السلطة، الى جانب الحاجة لنصوص تعاقب كلّ مَن يخترق الدستور حتى لو قضت بإخراجه من المعادلة السياسية إذا كان خرقه كبيراً ومتعمداً ومؤذياً لاستقرار البلد.
الحياة التي ينبغي أن تكون جديدة في العراق يجب ان يضبط ايقاعها دستور قوي وقوانين مستوحاة من روح الدستور، تكون قادرة على استيعاب التفاصيل العراقية بما يوحد المنهج العام للاستقرار في البلاد. كما تحتاج حياتنا الجديدة الى الخروج من أوضاع الطوارئ الا في حالات عظيمة الأثر وخاصّة، كالحروب والكوارث الطبيعية، واعادة النظر في أوضاع السجون والمعتقلات والتحقيقات والصلاحيات المطاطية.
ربما يفتح الحديث عن الانتقال الى النظام الرئاسي باب صيانة نصوص الدستور من العبث تحت عناوين التوافقات والضرورات السياسية.
لقد مرّ العراق في السنوات الأخيرة، وليس في زمن حروب النظام السابق فقط، بحالة عسكرة شديدة الوضوح في الشارع، ولا تزال اغلب اثارها واضحة ، وهذا سياق خارج طبيعة الحياة المدنية للمجتمع والدولة. لا بدّ من وقفة مراجعة قوية، وتذكّر دروس الماضي القريب في ان كثرة القوات وتعدد التسميات في التشكيلات المتعسكرة لا تقي من النهايات السيئة والانهيارات العظيمة.