رواية استاذنا باسم عبد الحميد حمودي ( الباشا وفيصل والزعيم ) ذات الـ 104 صفحات ، نوع من الادب الروائي ، لم اجد له مسمى ، فأطلقت عليه شخصيا بعد قراءتي الرواية بساعتين فقط ، انها من ( ادب باسم حمودي ) كونها جديدة في نصها ، واسلوبها المتفرد ، تشبه ” “الفنتازيا” لكنها ليست كذلك في المعايير المعروفة ، تروي حكاية مرحلة مهمة من حكايات العراق المعاصر ، اما مكان الرواية فهو في الدنيا الآخرة، حيث يلتقي في تلك الدنيا التي لم يرها او يعيشها احد من قبل ، سوى من القراءات الدينية ، كل من ، الملك فيصل الثاني وخاله الامير عبد الاله وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، ورهط كبير من معاصريهم من السياسيين والباحثين والضباط والصحفيين وغيرهم ..
رواية واقعية ، برداء افتراضي ، وقد نجح كاتبها شيخ النقاد باسم عبد الحميد بتوليفة نادرة ، في احياء ذكريات ومواقف عاشها من تجاوز الان عمره الستين عاما او اكثر ، بأسلوبية عميقة المعنى ، سهلة التلقي ..
الرواية تدور بالكامل كما قلت في دنيا ( الخلود) فكل ابطالها توفاهم الله ، وبعضهم قتل بالرصاص او بحبل المشنقة ، وغيرهم سحلاً والبعض الأخر ضيعه الزمن ، لكنهم يلتقون في مكان محايد بين الجنة والنار ، فيتحاورون ، ومعهم شهودهم ، وذكرياتهم وانطباعاتهم ورؤاهم ، حيث تأخذهم حمية الحديث والعتاب والنقاش الحاد ، وتبادل الاتهامات ، وتوزيع السهام الحادة على هذه الجهة او تلك ، لكن الخلاصة تبين خيبة الامل عند الكل !
اذن ، اننا امام رواية عن رصد زمني لأحداث عراقية ، وعربية ، وبعضها عالمية ، تبدأ في الثلاثينيات وما تلاها ، احداث رواها المؤلف ، على لسان ابطالها ، في حواريات تنبع من ذات متحدثيها ، بلا تزويق او مواربة .. تشمل كافة الأعراق والأجناس، وتحاكم كل التيارات المجتمعية والسياسية لمرحلة مهمة في تاريخ العراق المعاصر .
وحين انتهيت من قراءتي ، الممتعة للرواية ، وهو امتاع مغلف بألم غطى احداثا عشتها وعاشها من سبقني بالعمر ، تأكدتُ ان الأدب القصصي كان واحدا من أكثر العناصر الملهمة لحركة التوثيق على المستوى الاجتماعي والثقافي ، وأحد أوجه هذه العناصر، يكون عبر خيال الكاتب الحصيف الذي يستذكر الاحداث في مكان وزمان قد يبدوان خياليين، ليتضح لاحقا أن خياله كان على حق .. وفعلا كان ابا شهرزاد على حق .
الرواية ، استنطقت في حوار مكانه الدنيا الاخر ، الى جانب من ذكرناهم حنا بطاطو ، عبد الرزاق الحسني ، عبد الملك نوري ، مهدي الصقر ، نعيمة الوكيل ، والملكة عالية وغيرهم .. وساحت بنا في ازقة بغداد حيث مقهى حسن عجمي وشربت زباله الخ
ومعروف ان مثل هذه الرواية هي نوع من الكتابة ذات الروح والتوجه الغريب ، ويلعب شخوصها او عناصرها على كوكب آخر أو في عالم افتراضي من خيال الكاتب، مثلما قدم الاستاذ باسم عبد الحميد الذي أرانا مزيجًا من شخصيات نعرفها ، ومناطق زرناها ، واحداثا مرت بنا ، وهي فعلا جديدة في كل شيء ، إنها بوابة عوالم مختلفة وفريدة ، جعلتنا نعيش تفاصيل مغايرة عن حياتنا العادية الآنية ، ونغرق مع شخوصها في تعقيدات مختلفة ونعيش مع رؤاهم وتصوراتهم خطوة بخطوة ، ويتجلى ذلك في حواراتهم وجها لوجه في الدنيا الآخرة ، والكم الهائل من الاتهامات التي طالت احاديثهم المفترضة ، وانني هنا ،ارشح هذه الرواية ، لتكون مسلسلا دراميا .. ولاسيما انها مليئة بحوار سلس ومعمق ..