الابتزاز روح العصر الحديث، والجريمة الأكثر انتشاراً في العراق الديمقراطي، والشخص الأكثر قدرةً على الابتزاز والتلويح بالملفات المخبوءة هو الأقوى في العملية السياسية، ولا يمكن إغفال البعد السياسي ولا الاقتصادي عند تحليل ظاهرة الابتزاز.
بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لا هدفَ لها إلا الابتزاز! ينشرون الاتِّهامات جِزافاً بلا دليل، ولا يرونَ حَرَجاً في ابتزاز الأموال من بعض الفاسدين، وبحربهم هذه ضدَّ للفساد يفسدون أكثر مما يصلحون، كالأجهزة الرقابية والقضائية التي تحارب الفساد وهي غير مُحصَّنة ضد الفساد، وقد وصفهم تعالى بِصِفات المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُون). وربما بعد فترةٍ قصيرة من حربهم، سيكون من الصعب عليهم التمييز بين الفاسدين وغير الفاسدين، بين الأخبار الصحيحة الموثَّقة، والكاذبة المُلفَّقة من تنازع الفاسدين أنفسهم أو ابتزازهم لمن يحاول الإصلاح.
شخصيات سياسية مُشوَّهة خالية من المَشاعر الوطنية، خالية من أيَّة مشاعر إنسانية غير حب التملك والشهرة، ورغم ذلك، يجثمون منذ عقدين، على صدر العراق، فصارَ أسوأ من قرية موحلة، ينتشر فيها شهود الزور والموت المجاني إلى حَدٍّ مقلق ومثيرٍ للحيرة!
ماذا يفعل المواطن العراقي إذا تَعرَّضَ للابتزاز؟ يلجأ إلى أحد أعضاء مجلس النواب العراقي؟ ليساعده بنصيحة أو شَفاعة حسنة. لكن النائب عبد الهادي الحسناوي، عضو لجنة الزراعة النيابية تعرَّضَ لِلابتزاز! تداولت بعض وسائل الإعلام خبرَ الحكم على سائقهِ الخاص بتهمة المتاجرة بالمخدرات. لو طلب الشكوى ضد وسائل الإعلام التي نشرت قبل التأكُّد من حقيقة عمل المتهم سائقاً شخصياً عند السيد النائب، لَكسَبَ القضية ونال تعويضاً كبيراً ربما. المتهم لم يعد يعمل بأية صفة رسمية أو شخصية مع السيد النائب، تداول الخبر إعلامياً، بعد سنتين من بدء الإجراءات، يدخل ضمن حملة مُنظَّمة لاستهداف السيد النائب بسبب مواقفه المستقلة والخدمات الاجتماعية التي قَدَّمها لمحافظة النجف!
جريدة الزمان في عددها (4780) في 8 نيسان 2014 مصادقة محكمة التمييز على قرار محكمة النَّشر والإعلام، بتعويض الشهرستاني (مئتي مليون دينار عراقي بظني) عن حادثة قذفهِ من أحد النواب سنة 2012 وكان التعويض ربما أكثر من مئتي مليون دينار عراقي!
قد يكسب الحسناوي قضيته في محكمة الجنايات أو الجنح، ويحصل على تعويضٍ كبير في دعوى مدنية للمطالبة بتعويض جراء الأضرار التي لحقته.
نصَّ قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1968 على تجريم التهديد والابتزاز في المواد (430. 431. 432) والقذف في المادة (433) القذف هو اسناد واقعة معينة للغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أنْ توجب عقاب من أُسْنِدَت إليه او احتقاره عند اهل وطنه. وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو إحدى طرق الإعلام الأخرى، يُعَدُّ ذلك ظرفا مشددا) يستوجب رفع سقف العقوبة.
لكن قبل أنْ يلجأ السيد النائب إلى القضاء العراقي، ربما سيقرأ اعترافَ السيد فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في حوار منشور مع مركز البيدر للدراسات والتخطيط (تعرضتُ شخصياً للابتزاز عندما رُشِّحْتُ رئيساً لمحكمة التمييز وتأخَّرَت عملية التصويت سنة بسبب الابتزاز السياسي). وشَكَا القاضي زيدان أنَّ قانون المحكمة الاتحادية لم يُقَرْ منذ 2005 بسبب الابتزاز السياسي، وتعديلات أخرى كثيرة على الدستور، وأربعة مواد دستورية تقتضي أغلبية الثلثين مُعَطِّلَة تماماً وتستوجبُ تعديلاً سريعاً، والعائق الوحيد هو الابتزاز السياسي. وتتعطل العملية السياسية كل دورة بسبب شرط الثلثين! وهذا غير صحيح، بعض الأحزاب الحاكمة تضعُ شروطاً تعسفية!