لا وفقكم الله! اعترافٌ خطير، والاعترافات كثيرة والمفاسد أكثر. “درءُ المفاسد مُقدَّم على جلب المنافع”. كالتحقيق الإداري طوق نجاة فاسدٍ يختنق بالأدلة والشهود، ويقترب من نهايته. وسيلة لإنقاذ المحققين والقضاة من عشرات بل آلاف قضايا الفساد المُقامة في المحاكم المختصة بالنَّزاهة والمال العام. يُطلب رأي الممثل القانوني، وبدوره يطلب التحقيق الإداري، فتعود الكَــــــرَّة إلى ملعب الفاسدين، ويُغلق التحقيق القضائي، واستناداً إلى إفادة الممثل القانوني وتوصيات التحقيق الإداري. وننوه بالفقرة (2) من قرار قاضي تحقيق النزاهة بتاريخ 4/5/2021 والمبلغ بكتاب مديرية تحقيق نينوى (771) في 5/5/2021 والمرفق طيَّاً (فشل اللجان التحقيقية وتسترها على المخالفات).
وخلف كلِّ فاسدٍ يغيب يُعفى يتقاعد، ألفُ فاسدٍ جديد! الفساد لن ينتهي والفاسد لن يرتدع عن فسادهِ، لا ولن يُعاقَب على جريمته، وإذا صدرَ حُكمٌ عليه بالحبس أو السجن، سيهرب من السجن، وإذا لم يهرب سيقوم بتحويل السجن إلى شيراتون، وقاعة سجن كبيرة تتحوَّل إلى مضيف يليق بكبار المسؤولين الذين سيتوافدون لزيارة الفاسد. واعترفَ أحد مشاهير الفاسدين في لقاء مباشر أنَّه أنفق على سجن المدينة مليون دولار. والسجنُ سياحة وليس عقوبة، العقوبة الحقيقية المجدية هي حُكم الضمير على صاحبه، وهو يراقب اليتامى يتضورون حرماناً في إشارات المرور، وهو يراقب انهيار منظومة التربية والتعليم، وهو يراقب انهيار المبادئ والقِيَم، وهو يراقب انتشار الجريمة، وهذه الجريمة لا بُدَّ أنْ تَصِلَ يوماً إلى بيته. و(إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟ أيخون إنسانٌ بلاده؟ إن خان معنى أن يكون… فكيف يمكن أن يكون؟ السياب).
لا جديد في الفساد، الجديد هو الفاسد، كل يوم يقوم بعملية فساد جديدة، أو مسؤول جديد يقسم بالولاء لرئيس الحزب، ربما كان نزيهاً وانحرف بعدما رأى وأيقنَ الموظَّف المرتشي الراشي يصعدُ سريعاً في السُّلَّم الوظيفي، والنزيه الكفوء المخلص يهبط في لعبة حَيَّة وسُلَّم. وآمنَ بعدم وجود عِقاب حقيقي للفاسد، ورأى وأيقنَ ألا تقدم في السلم الوظيفي بدون دعم أحد الأحزاب الحاكمة!
افلات الفاسد
أربكتني سرعة وسهولة إفلات الفاسد من العِقاب، وأدهشتني كثرة الثغرات في قانون العقوبات العراقي، حتى أنَّ الفاسد يسخر من القضاء ويقول: هذه الدعوى عقوبتها غرامة مئة دينار، سوف أدفع لهم المبلغ على ….؟ وحيَّرني نزوع الكثير من رجال القانون إلى البحث عن القرائن الصغرى لغلق قضايا الفساد، وإهمال الأدلة والشهود التي تثبت عملية الفساد. وفي نزوعهم هذا خراب البلد وكشف فاضح للعلاقات السرية بين صِغار الفاسدين وزعمائهم الذين يوفِّرون لهم الحِماية.
حجم الفساد لم ينقص، وعدد دعاوى الفساد في محاكم النزاهة يتضاعف ويتضاعف، لأنَّ الباب السادس المعنون (الجرائم المُخِلَّة بواجبات الوظيفة) والمواد 307- 341 في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 صار عاملاً في زيادة الفساد.
لا جديد في مجلس النواب المنقسم أنواع: نائبٌ نشيط وقوي لا يفلتُ من ابتزازهِ وزيرٌ ولا مدير عام، ونائبٌ ضعيف، إذا اتصل بأصغر مدير عام، لم يجبه، وإذا زاره لم يستقبله. ونائبٌ مأجور نائمٌ صامت ينتظر معاشه وما يتكرَّم عليه بعض الساسة من فُتات موائدهم وصفه الشاعر البغدادي العباسي سبط ابن التعاويذي (1125- 1187) إنَّ اسْتِنابَتَكَ ابْنَ فِهْدٍ سُبَّةٌ، وبمِثلِها وَجَدَ الطريقَ العائبُ. لا تدْعُهُ إنْ كنتَ تُنصِفُ نائباً، هُوَ فِي الْحَقِيقَة ِ نَائِمٌ لاَ نَائِبُ). إذا لم تُعالج ثغرات قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969. وإذا لم تُعالج ثغرات قانون أصول المحاكمات الجزائية!