ليس هناك بلداً يمتلك بعض الأوراق المهمة ، ويتعامل مع أزماته بطريقة كلاسيكية كأن لم يكن هناك شيئاً، والمياه هي واحدة من أهم الازمات وأكثرها تعقيداً ، كونها تتصل بحياة الانسان والأرض والغذاء، ولكون الجهات التي تضغط على رقبة العراق معلومة معروفة ، فأن للعراق أوراق مهمة بإمكانه استخدامها وقت الضرورات القصوى ، وليس هناك اكثر قساوة من قطع المياه أو حتى ضغطها على دولة المصب وهو العراق .
تفيد التقارير الاقتصادية بأن التعاملات الاقتصادية لدولتي تركيا وايران مع العراق تبلغ اكثر من ( 38) مليار دولار سنويا ، حيث تصدر تركيا من مواد غذائية استهلاكية ومواد أخرى تدخل في البناء والمشاريع الاسكانية بحدود (20) مليار دولار سنويا وايران تصدر مواد مماثلة بحدود ( 18) مليار دولار ، ويجري العمل على زيادة هذه النسبة ، هذا التعامل الاقتصادي بين العراق وهذه الدول مهم جدا ، لو لوح به المفاوض العراق أو استخدمه أو جزءاً منه لادركت هذه الدول حجم خسارتها إذا لم تعطي للعراق حقوقه المائية وفق القوانين الدولية المتعامل بها .
عدد غير قليل من المفاوضين العراقيين مع الجانب الإيراني يشتكون ليس من عدم استجابة ايران ، وإنما من عدم الاستماع لوجهة النظر العراقية والرد عليها ، وبالتأكيد مثل هذا السلوك يعبر عدم احترام ايران للوفد العراقي وبالتالي عدم احترام حقوق ومطالب الدولة العراقية ، وكل مايقال من ايران أو من حلفاء ايران في العراق حول الاخوة الإسلامية والعلاقات الوطيدة بين الجانبية هو هراء ، لو كان الامر كما يقولون لذهب حلفاء ايران لحليفهم وطلبوا منه مساعدة العراق في ازمته المائية واطلقوا حقوقه قبل أن تجف نهائيا وتموت الزراعة والبساتين في ديالى .
وتركيا هي الأخرى لها حلفاء وأصدقاء وممثلين في مجلس النواب والسلطة ، كان من الاجدر لهم ولانتمائهم العراقي مطالبة تركيا باطلاق حقوق العراقي المائية في الفرات ودجلة ، وان السدود التي اقامتها تركيا على الفرات هو بالضرورة قرار تركي سيادي بحجز المياه عن العراق ، أو حتى التهديد بها.
إن هذه الأرقام الضخمة من التعاملات الاقتصادية بين العراق وهاتين الدولتين إذا ما استخدمت كفيلة بجعل الطرفين الضاغطين على العراق مراجعة سياساتهم اتجاه العراق ، وليس هناك قضية عراقية ملحة اكثر من المياه ، التي اضطر العراق بسببها الضغط على الفلاحين والمزارعين ترك الاف بل ملايين الدونمات الزراعة بعدم استخدامها لقلة المياه وشحتها حتى للشرب في كثير من المناطق والنواحي والقرى العراقية .
ليس من الضرورة بمكان أن نلوم الدول الأخرى ، ولكن اللوم الحقيقي لسلطات العراق المتتالية منذ ( 2003) حتى الان لم تفكر بالسدود ولا بكيفية الحفظ على المياه ولا حتى بإمكانية مكننة الزراعة وتطويرها والعمل على استخدام المياه الجوفية وطرق الرش الحديثة ، والدول عندما تعيب على العراق بعدم الحفاظ على المياه من هروبها للبحر فهي محقة في ذلك .
مسألة الامن الغذائي العراقي يجب ان تكون من أولويات أي حكومة ، وهذا لا يتحقق إلا بحكومة نشطة قوية مخلصة للعراق وشعب ، وبوزارة لا تتعكز على الاخرين بل قوية القرار والتنفيذ ،كما على الجهات المسؤولة من مجلس الوزراء الى البرلمان والوزارة المعنية بالمياه ، إن الوضع الدولي الراهن هو صراع الأقطاب الذي اشتمل على كل المفاصل الحياتية ، وإذا لم نحسن التصرف وتحقيق الامن الغذائي ، والعراق قادر على ذلك من حيث مساحات الأرض القابلة للزراعة أو من حيث الإمكانيات المالية الضخمة ، نقول إذا لم نحسن التصرف فلعنة الله والتاريخ والشعب ستلاحق هؤلاء ، فهل يتحقق ذلك الله أعلم ..