حين وصف المنهاج الحكومي الفساد بتوصيف ” الجائحة” التي ما زالت في ذاكرة العراقيين لجائحة كورنا، لابد من استذكار أنواع اللقاحات التي بإمكانها مواجهة جائحة الفساد، أيضا لابد من التذكير ان الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2021 -2024 شخصت أسباب الفساد في أربعة أنواع: الفساد السياسي، الفساد المجتمعي، الفساد الإداري، الفساد المالي ، وتراكم خطوات الابتعاد عن منع وردع الفساد بإجراءات قانونية وتعليمات تنفيذية ضمن صلاحيات الوزراء، فيما تراكمت جرائم الفساد لان نموذجي الفساد السياسي والمجتمعي لم يتم الآيتان باي علاج لهما حتى اللحظة لا في إجراءات الجهاز الحكومي ولا في نشاطات المجتمع المدني ووسائل الاعلام التي تكتفي بمشاهد الاثارة لكسب جمهور اكبر ناقما على كل شيء في عراق اليوم .
اول تفكير جاد لمواجهة جائحة الفساد، تبدأ في استعادة خطوات ردم الفجوة ما بين الاستراتيجيات الوطنية في قطاعات مختلفة وبين تطبيقاتها التي لم تلامس وقائع الحلول التي وضعتها هذه الاستراتيجيات، منها استراتيجية مواجهة الفقر والتنمية المستدامة والقطاع الخاص على سبيل المثال لا الحصر، تلك مهمة وزارة التخطيط عندما تبدأ بإعداد مشروع قانون الموازنة العامة سنويا، السؤال هل التزمت هذه الوزارة بما جاء في كل هذه الاستراتيجيات وعددها أكثر من عشرين استراتيجية؟؟
الخطوة الثانية في مواجهة جائحة الفساد، الانتهاء من تشغيل الحكومة الالكترونية ونموذج النافذة الواحدة وربما علينا ان نبارك خطوة وزارة الاتصالات في الانتهاء من النظام المروري الالكتروني، مثال ذلك ان رئيس حكومة إقليم كردستان قال في تصريح صحفي ان حكومته ستغادر التعامل بالورق عام 2025، السؤال كم نحتاج لتشغيل الحكومة الالكترونية كليا في دوائر الجهاز الحكومي الاتحادي؟؟
حينما يبدأ تشغيل الحكومة الالكترونية لا تحتاج أي مستشفى زيارة مفاجئة لرئيس الوزراء في تحديد المتغيبين عن الخفارات اليومية او وقائع العمل اليومية، بل ستكون التواقيع الالكترونية وكاميرات المراقبة بديلا باستطاعة وزير الصحة متابعتها عبر هاتفه الجوال!!
الخطوة الثالثة، تشغيل موقع ” حكومة المواطن” في سماع شكوى الناس من الخدمات الحكومية، اعتقد اغلب مواقع الوزارات تتضمن حقلا خاصا بذلك لكن السؤال كم هو قياس الأثر في تحديد جودة هذه الخدمات عبر بيانات حكومية رسمية؟؟
ما بين هذا وذاك هناك التزامات قانونية ابرزها شفافية إدارة المال العام في الموازنة السنوية بموجب قانون الإدارة المالية العراقي رقم 6 لسنة 2019 في المادة 50 /اولا بما نصه ((تلتزم وحدات الانفاق كافة بالمبادئ والمعايير الأساسية لشفافية الموازنة العامة والافصاح عن اليات جمع وإنفاق الأموال العامة وقيامها بتوفير ما يكفي من بيانات ومعلومات ووثائق وتقارير عن نشاطاتها المالية والإدارية (السابقة والحالية والمستقبلية) بطريقة منتظمة وفي الوقت المناسب ونشرها على مواقعها الالكترونية)) السؤال كم وزارة ومحافظة تنشر معلومات الانفاق في قانون الموازنة العامة دوريا ، بما يحقق شفافية إدارة ما يصطلح عليه في مكافحة الفساد ب” الموازنة المفتوحة ” ؟؟.
كلما تقدم ذكره يقع ضمن مواصفات دولية تدرب على تطبيقها الجهاز الحكومي العراقي طيلة السنوات الماضية بمنح دولية من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوربي، تعرف بمواصفات الايزو للجودة الشاملة هي مواصفة قياسية لجودة الخدمات العامة، السؤال لماذا لا تنشر الحكومة مقياس الأثر لتطبيق الجودة الشاملة بما يلامس معيشة المواطن والانكى من ذلك لماذا لم يطالب مجلس النواب في كل دوراته من الجهات الرقابية وجود هذا المقياس في تقاريرها السنوية؟؟ ولماذا لم تتابع اللجان البرلمانية تطبيق البرنامج الحكومي من خلال التشدد في طلب مثل هذه التقارير القياسية؟؟
لذلك لقاح “جائحة الفساد” يبدأ بتفعيل ما اشرت اليه انفا، هي مسؤوليات على مستوى الوزارة ضمن تقييم كفاءة الوزير والمدراء العامين فيها، وهناك قسم متخصص في الأمانة العامة لمجلس الوزراء مهمته مراقبة هذا الأداء، عليه في سياق وجود كل ذلك بموجب القانون النافذ، لابد على مكتب السيد رئيس الوزراء البحث عن أسباب عدم تفعيل لقاحات ” الجودة الشاملة ” بعد استفحال ” جائحة الفساد” … ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!