من الخطأ أن يقوم أي وزير لم يمض على جلوسه على مقعد منصبه سوى أسبوعين بإصدار قرارات تخص الوضع العام لقطاع وزارته، ذلك ان القرارات ذات التوجه العام، وليس ذات الوضع التنفيذي التنظيمي لمديريات وزارته، انما تحتاج الى مهلة لا تقل عن أربعة اشهر لكي يستوعب الوزير الجديد ما يدور حوله ولا يكون صدى للمفاصل القيادية المخضرمة في وزارته والتي تفرض رؤيتها المدفوعة من مرجعياتها السياسية غالباً، قبل ان تنضج رؤية الوزير الجديد الذي لم يمارس مهامه في قطاعه من قبل ولابدّ من اكتساب خبرة معرفية أولية للتعاطي مع الشأن العام، ولا أقول خبرة تؤهله للبناء وانضاج المسارات الكبرى، لأنّ ذلك لا يتوافر بسهولة أو من خلال سنة او سنتين.
هناك قرارات تصدر من وزراء الحكومة الجديدة لمجرد انها تخالف النسق الاداري الذي انتهجه الوزراء السابقون، والذين وقعوا بالخطأ ذاته حين أصبحوا وزراء من قبل.
وزير التعليم العالي أعلن انه وافق على زيادة اعداد طلبة الدراسات العليا في مختلف المراحل الد راسية وصولاً للدكتوراه. وكأنّ هذا منجز بحد ذاته كونه تلبية لطلبات مُلحة، في حين انّ التعليم العالي الذي تعاني الدراسات العليا فيه من ترهل عددي ونوعي يحتاج الى وقفة من قطاعات تخطيطية مختلفة للوقوف على الحاجة الفعلية للبلد من الشهادات العليا تبعا للاختصاصات التي تصب في نهضة البلاد وتنميتها واعادة اعمارها، وحتى مواكبة عمل الشركات الأجنبية فيها. لا يمكن ان يخدم العراق قرار زيادة اعداد طلبة الدراسات العليا من دون ان تكون هناك رؤية استراتيجية توضح حاجة البلد لكل اختصاص من اجل الإضافة النوعية التطويرية وليس العددية التي تحيل الى أنواع جديدة من البطالة. كما ان طواقم التدريس تعاني ذاتها من نقص في الخبرات والاعداد وقلة مواكبة نمو العلوم في الخارج لا ما ندر.
أمّا ظاهرة غلبة الاختصاصات الإنسانية والدينية في هذه المرحلة على العلوم الصرفة، فذلك خطأ جسيم، حتى لو كانت النسبة مناصفة بين الجانبين، لأنّ البلد يحتاج الى تسخير ما لا يقل عن تسعين بالمائة من الاختصاصات لبناء القواعد الصناعية والنفطية والعلمية، والطبية، والهندسية، والتنموية.
سمعت، في اكثر من مناسبة، من أساتذة جامعيين مخضرمين او متقاعدين انهم شهدوا تدنيا في مستوى نوعية الخريجين والذين يلتحقون بالهيئات التدريسية بعد حصولهم على شهادات باتت تشبه الروتين، فمَن يُقبل بالدراسات العليا تجده كأنه قد تخرج فيها حتماً، مهما كان مستواه، فلا توجد نسبة معقولة من رد الأطاريح او طلب الغاء قبول طلبة لعدم اجتيازهم النتائج المقررة في فترة الكورسات مثلا.
ليس لزيادة العدد أهمية، وانما لنوعية الدراسات العليا وعلاقتها بحاجات البلد الفعلية لنهوضه، وإلا سنبقى ندور في فلك استهلاك الطاقات من دون انتاجية فعلية.