………
قبل خمسة أعوام قررت ان ابتكر صياما من نوع جديد اسميته “الصيام الالكتروني” ، فقررت ترك كل مواقع التواصل الاجتماعي ، ولا اتصل عبر واتساب او ماسنجر او فايبر ، ولم يكن وقتذاك قد بدأ العمل في التلغرام او ايمو او بوتم وغيرها من مواقع التواصل التي في الحقيقة ونتيجة استخدامها والادمان عليها بدأت تعطي مفعول التباعد ، حتى اني اطلقت عليها لفترة ما “وسائل التباعد الاجتماعي”.
تحول الهاتف الى جهاز ارضي كما هو في السابق ، لا احمله ، فلم يعد هاتفاً نقالاً ، وحين اعود الى المنزل اراجع كل المكالمات التي وصلتني وانا خارج المنزل ، كما أيام الهاتف الأرضي.
استمر الصيام لمدة أسبوع ، وخرجت باستنتاجات مريبة ، كان من أهمها :
أولا: المكتبة موجودة في الدار ، واحسست بالتقصير لاني منقطع عن قراءة كثير من كتب مكتبتي ، حيث اني كنت اقرأ كتبي عبر نظام الكتروني ، وكانت كتبي مخزنة على جهاز الايباد .
ثانيا: اكتشفت ان اليوم هو ٢٤ ساعة وانه وقت كاف لممارسة كثير من الاعمال ، ولا احتاج ليوم اكثر من ساعاته الربانية ، ووفق القياس السومري الذي حدد اليوم بارقام الساعات والدقائق والثواني.
ثالثا. : بدأ النوم يحاصرني بعد الساعة العاشرة مساء. ، وبدأت الشمس تداعب نافذتي عند السابعة صباحا ً وبدأت استمتع باليوم وانجز الكثير من الاعمال.
رابعاً : حاجتي للتواصل مع أصدقائي دفعتني للتواجد بينهم في مقهى او منزل ، وحاجتي لأهلي واقربائي بدأت تأخذ منحى جديداً مع فقداني التواصل عبر وسائل التواصل والعالم الافتراضي.
خامساً : اكتشفت ان قضاء الحاجة لا يحتاج لأكثر من ثلاث او خمس دقائق ، حيث بدأت اذهب الى التواليت بدون ان احمل معي هاتفي النقال.
سادساً : استعادت عيناي قوة نظرهما ، فلا ضوء يشع بسبب القراءة من خلال الهاتف النقال او الايباد او جهاز الكمبيوتر .
سابعاً : استعدت ثقتي بجهاز التلفزيون ، وقدرته على تطوير مهاراتي الثقافية والابداعية ، وأصبحت احب التاريخ ، رغم اني كنت احبه من قبل حيث انه فاكهة العلوم.
ثامناً : اصبح لدي وقت لأتعرف عن قرب على هموم ابني وابنتي ، وزوجتي ، بل اني أصبحت ابادر لحل مشكلات بعض الأصدقاء ، وانصحهم بتوثيق وشائج العلاقات مع بعضهم البعض ، لان الحياة التي احب باتت حياة واقعية لا يلوثها العالم الافتراضي.
تاسعاً : انخفضت نسبة الكذب التي كانت تتناقلها مواقع التواصل ، فلا شائعات ، ولا اخبار غير موثقة من الممكن ان تحرجني مع أصدقاء اماتتهم صفحات الفيسبوك مرات عديدة.
عاشراً : تخلصت من مشكلة ان يفرض عليك شخص ما نفسه لانه ببساطة يود ان يتحدث معي ، وعدت الى الأيام الخوالي ، حيث ترتبت مواعيد زياراتي ولقاءاتي مع الاخرين الذين اعرفهم حصراً ولا اتواصل مع أي شخص لا اعرفه .
ما زلت ازعم انني خضت تجربةً لا مثيل لها ً استطعت من خلالها ان اعيد ديباجة نفسي وكياني وتوازني ، كما اني أصبحت اكثر جرأةً على الصبر ، والتفاعل مع أمور الحياة بواقعية ، ولا وجود لعالم افتراضي في حياتي.
انها تجربة من الممكن ان يجربها أي شخص لأننا ربما سنفقد ما عودنا عليه الهاتف النقال ، وربما سنفقد فيسبوك وتويتر ، وقتذاك سنكون في حيرة من امرنا ، ولن نكون قادرين على الأقل ، على ترتيب اولوياتنا كآباء ، وكأحبّة ، وكأناس من حقنا ان نعيش على هذا الكوكب بصدق ، وواقعية ، ونعزز من صدق علاقاتنا بشكل وجاهي.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *