وردت تصريحات من نائبين في العراق بشأن التدريبات التي يقيمها الناتو للقوات العراقية، في إشارة قوية الى ان الدورات الحالية غير مجدية لأنها تتناول الأسلحة والصيغ التقليدية التي يتقن الجيش العراقي التدريب عليها منذ عقود بعيدة، فضلا عن ارتفاع مبالغ الأموال التي جرى صرفها في التعاقدات السابقة.
اثبتت التجارب في جميع الدورات البرلمانية انّ كلام الأغلبية الساحقة من النوّاب مرسل من غير توثيق، ولا يعتد به من الشمال الى الجنوب، لأنه موسمي وظرفي ومنحاز سياسياً، ويُقال لأهداف محددة ومرتبطة بمركزية التوجيه من حزب النائب او كتلته. لكن في هذا الموضوع، هناك وجه واضح لحقيقة لا بدّ من الوقوف عندها بغض النظر عن الغرض السياسي من توقيت التصريحات.
ذلك انّ تدريبات حلف الناتو، توحي من اسمها بأنّ هناك سياقات لعقيدة عسكرية جديدة يجري تعليمها للقوات العراقية المعروفة منذ عقود بممارسة العقيدة الروسية في أساليب القتال والتعبئة.
وقضية الانتقال من عقيدة الى عقيدة أخرى في بناء الجيوش واعدادها مرتبطة بعقود التسليح ونوعيتها والافق الاستراتيجي لإدامتها ونظام التجنيد والتعبئة في ظروف الحرب والسلام معاً، ولابد ان يدخل التغيير العقيدي في صلب دراسات كلية الأركان ودورات اعداد القادة والآمرين ومدارس القتال، فضلا عن انَّ تبني عقيدة عسكرية جديدة لا يمكن ان يكون أمراً جزئياً وترقيعياً وشاملا لسلاح دون آخر، وانّما هو أساس استراتيجي في الانتقال الى ضفة أخرى مغايرة تماما، وهذا له جانب سياسي أكثر منه عسكرياً.
كما انّ تغيير العقيدة يتطلب موازنات مالية مضاعفة لأنها عملية الغاء القديم وإزالته من طريق الجديد. لكن ذلك كله يواجه استحقاق عدد من الاسئلة الجوهرية
منها: ما حصيلة جدوى التدريبات السابقة؟ وماذا افاد الجيش العراقي من تدريبات الناتو عملياً؟ وكم سلاحاً جديداً جرى التدريب عليه؟ وماهي التكنولوجيا الجديدة التي أضيفت الى معلومات ومهارات الجندي والضابط في الميدان؟ ولماذا لم يشترك العراق في مناورات كبيرة للناتو خارج نطاق التدريبات المحلية مادام انّ التعاون مضى عليه فترة ليست بالقصيرة؟
انّ الموضوع معقّد وفيه تفاصيل كثيرة جداً، وليس مكان الإحاطة به في سطور معدودة، لكن المعنيين لابدّ من تأمل حقيقة العلاقة التعاونية مع حلف الناتو وتطويرها ودراسة الإخفاقات التي تنتابها ومصارحة الجانب الاخر بها