يمثل شارع الحبوبي في الناصرية معلما تأريخا وصانعا لأماسي ذكريات ابناء المدينة ، وقد توسط المسافة التي تمتد من بهو البلدية وحتى بستان الحاج عبود تمثالا شامخا للشاعر المجاهد محمد سعيد الحبوبي الذي تثاقلت عليه جراح اصيب بها في معركة الشعيبة ضد الغزو البريطاني الاول للعراق مطلع القرن الماضي حيث توفي الشاعر الحبوبي في بيت العضاض الذي لايبعد عن قاعدة التمثال سوى ثلاثين مترا. والتمثال الذي تم اقامته في اوائل السبعينيات هو من ابداع النحات عبد الرضا كشيش الصفار.
عاش الحبوبي فضاءً مفتوحا لأحلام المدينة ومحطات تواريخها ، وكان يسمى قبلها شارع الهوا ،لعذوبة نسائمه في مساءات الصيف والربيع ،وكان من امكنة الانشطة الاجتماعية والفنية والطلابية للمحافظة ،وكان وقع طبول الفرق الكشفية في مساراتها يسجل تفاصيل ازمنة كان الشارع فيها ولا زال اقرب الاسماء الحديثة التي تعرف فيها المدينة . وليسجل له مأثرة اخرى ان يكون شارعا للتظاهرات التي تطالب فيها الجماهير بحقوقها . لتصبح تظاهرات الحبوبي واحدة من ماركات الحرية المسجلة في السفر النضالي والجهادي لأبناء هذه المدينة منذ جيش الجهاد الذي يقوده الحبوبي وحتى نعوش شهداء حرب تحرير نينوى ومدن العراق ضد الهمجية الداعشية الوحشية وشهداء جسر الزيتون .
اسمع ان المحافظة بدأت بمشروع تعده حضاريا وجمالا لتسقيف الشارع من جهة التمثال وحتى قيصرية البزازين ، وربما ابعد ، ولأنني اعرف في فلسفة تطوير المدن ان التسقيف هو للأسواق وليس للشارع ،وان هذا التسقيف هو محاولة لسحب التجنيس والصفحة والتأثير الذي يحمله شارع الحبوبي عبر تواريخه وتحويله من شارع خدمي الى سوق للاستثمار البلدي .
ربما في الأمر حسن نية من اجل ترتيب جمالية المدينة وترتيب فوضى البسطيات في الشارع الذي تحول في هذا المكان الى باعة متجولين ويافطات اطباء وصيدليات ، ولكن المدينة واهلها لا يريدون انتزاع حضور المكان وطبيعته من ذاكرتهم ويومهم ، فأمر البسطيات يمكن ان يعالج وامر زحمة اليافطات يمكن ان يعالج ،ولكن كيف تعالج تلك القضية التي يتحول فيها شارع يرتبط بتواريخ كل لحظات المدينة وازمنتها الى سوق مسقف ،او ما تقول عنه البلدية انه شارع مسقف ،ولم اكن ارى في كل العراق شارعا عريضا وخدميا وتسير فيه العجلات وعلى جانبيه تقع بيوت سكنية ويتم تسقيفه.
اتمنى ان يعاد الامر بهذا الشارع الحيوي وان يتم التفكير بمشروع تطويري اخر كما فعلته الدولة مع شارع المتنبي وامكنة اخرى.
هذه وجهة نظر شخصية تقوم على اساس انني ارتبط بالمكان عبر تواريخ الولادة ومحطات العمر وعلاقة الشارع بأحلامنا وابداعاتنا ،وتغير شكله اجده تعديا على تاريخ المكان ومكانته في ذاكرة مدينة اسمها الناصرية.