ساعات من البهجة ، بدأت عصر يوم السبت 3 من الشهر الجاري، واستمر ضوعها حتى لحظات كتابة هذا العمود ، ضمّها حفل كبير اقامته مؤسسة آفاق العدالة للدعم القانوني وبالتعاون مع اتحاد الحقوقيين العراقيين في القاعة الكبرى للاتحاد ، تكريما لمنجزات الدكتور عبد الحسين شعبان بمناسبة بلوغه المرحلة الماسية من عمره المديد ، حضرته كوكبة من المفكرين والحقوقيين والمثقفين والاعلاميين ، الذين اكدوا في كلماتهم ، على إن شعور التكريم والتقدير الذي يأتي من المكان الذي غرس المبدع فيه ثمرة جهده يعادل أضعافاً مضاعفة تكريمه في مواقع أخرى في العالم..
وقد لفتت نظري المداخلات العديدة التي رافقت فعاليات التكريم التي حضرتها ، فجميعها اشارت الى المكانة العالية للمحتفى به ، على الصعيد الفكري ، وعلى الصعيد الانساني المتمثل بترسيخه لمبادئ السلم الاهلي ، وتأصيل خطوات حقوق الانسان ، واشاعة مبدأ اللاعنف المجتمعي .. كما استمعتُ الى كلمات ثناء وشكر لمواقف د. شعبان في المحافل الدولية ، ولاسيما تلك التي تتماهى مع حقوق المواطن في العيش الأمن والرغيد ..
كان احتفالا بهيا بحق ، يليق بالمفكر شعبان وبعطائه في المجالات الفكرية المعروفة .. ومن الطبيعي ان يكون للكاتب والسياسي والمفكر د.شعبان ، هذا الحضور والالق والتأثير المجتمعي ، على صعيد الوطن العربي والعالم ، فكتبه ومقالاته، ولقاءاته الاعلامية ، تؤكد انه قارئ استراتيجي للأحداث المعاصرة بشكل عظيم الاثر ، كما اصبح جزءا اساسيا من ذاكرة الامة ، وقد تجاوز تأثيره حدودها ليحظى بمكانة دولية مرموقة ، جعلته من المفكرين المهمين عالميا ، بدلالة ترجمة الكثير من كتبه الى لغات عالمية ، ودعواته لحضور ندوات فكرية مهمة في الجامعات الاوربية .
والى جانب ما ذكرت ، لمستُ في أحاديثه الشخصية انه حكّاء عظيم، وممتع ، بذاكرة لم اعتدها عند غيره ، وصوت رخيم ، عذب ، واحسستُ ان سردية حكاياته ودقتها كانت من وسائله لتدريب الذاكرة لتأبى نسيان ما جرى.. انه رجل عوّد نفسه على احترام حقائق الحياة ، وان القارئ لكتاباته يراها ترتقي بصورها الفكرية والإنسانية إلى مصاف الأعمال الابداعية الرفيعة لغة واسلوبا ، حتى اني اقترحت عليه يوما ان يكتب رواية ، فبناء الصور في دراساته وكتبه واختيار عناوينها تعود الى نوع من الثقافة الشاملة ادبيا .
وانني طوال مدة معرفتي به ، ومن خلال متابعتي لطروحاته الفكرية ، وكتاباته الموثقة بالتواريخ والاسماء ، لاحظتُ انه نتيجة لسنوات ممارساته لنشاطاته الحافلة والمليئة بالأحداث الصاخبة، كان يرى نفسه أولاً وقبل كل شيء قارئا جيدا للأحداث ، بعيدا عن التعصب ، كارها للأثنية ، محبا وداعيا للتسامح ، وكان مصدراً موسوعياً من المعلومات، وكاتباً ومحللاً سياسيا واجتماعيا عظيماً .
ابا ياسر .. رجل حافظ على مكانته الوطنية والمهنية وقناعاته الفكرية في زمن تتقلب فيه القلوب والولاءات والاقلام ، وهذه هي احدى خصاله التي يفتخر بها ..ان الفعاليات التكريمية ، مثل التي شهدتها ، هي الجائزة الأهم والصحبة الأبقى لأي كاتب أعطى لنفسه حرية الاختيار ، فمنحه قراؤه نعمة المحبة ..
شخصيا ، سعدتُ جدا ، وانا ارى سقف المحبة والاشادة بهذا الاتساع ، في الحفل الراقي .. فشكرا لأصحاب فكرة التكريم ، وشكرا لفيض المشاعر التي لمستها من الحضور البهي .. وتحية للمحتفى به ، والدعاء له بالصحة والسرور والعمر المديد .. ولمن بيدهم الامر في بلدنا اقول : برّوا بمبدعي العراق ، لينصفكم التاريخ .. ففي الوقت القادم … متّسع !.