هاتفني‭ ‬صديقي‭ ‬الموجوع‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬عبر‭ ‬بريد‭ ‬الماسنجر‭ ‬وسألني‭ ‬بصراحةٍ‭ ‬متناهيةٍ‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مقدمات‭ ‬هل‭ ‬صحيح‭ ‬أنَّ‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬أطفأتْ‭ ‬ذاكرتك‭ ‬الشعرية‭ ‬ولهيب‭ ‬توقكَ‭ ‬وحنينكَ‭ ‬للبلاد؟‭ ‬أجبتهُ‭ ‬برغم‭ ‬سؤالهِ‭ ‬الذرب؛‭ ‬لا‭ ‬وحق‭ ‬الشعر‭ ‬فذاكرتي‭ ‬لا‭ ‬تُبلى‭ ‬ولا‭ ‬يصيبها‭ ‬الصدأ‭ ‬والنسيان‭ ‬وحنيني‭ ‬للبلاد‭ ‬لا‭ ‬تخمد‭ ‬جمرتهُ‭ ‬إلاَّ‭ ‬عندما‭ ‬يموت‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭. ‬عاد‭ ‬يسألني‭ ‬بأسى‭ ‬هذه‭ ‬المرَّة‭ ‬وهل‭ ‬تعرف‭ ‬أنَّ‭ ‬المزيَّف‭ ‬احتلَّ‭ ‬مقعد‭ ‬الأصيل‭ ‬على‭ ‬منابر‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب؟‭ ‬أجبتهُ‭ ‬حبل‭ ‬الكذب‭ ‬قصير‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬وإنْ‭ ‬طال‭ ‬لسنواتٍ؛‭ ‬فمازالت‭ ‬أماسي‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬نابضةً‭ ‬وتضيء‭ ‬حندس‭ ‬الليل‭ ‬وتغيظ‭ ‬الفاشلين‭ ‬والحاسدين‭ ‬والكارهين؛‭ ‬مازالت‭ ‬هناك‭ ‬يدان‭ ‬تشيران‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬الألم؛‭ ‬هناك‭ ‬مالك‭ ‬المطلبي‭ ‬وموفق‭ ‬محمد‭ ‬وكاظم‭ ‬الحجاج‭ ‬ومحمد‭ ‬خضير‭ ‬وعمر‭ ‬السراي‭ ‬وشاعر‭ ‬يحب‭ ‬العزلة‭ ‬اسمه‭ ‬إبراهيم‭ ‬البهرزي‭ ‬يجوب‭ ‬البساتين‭ ‬ليلاً‭ ‬وقصائده‭ ‬تصفرُ‭ ‬للعنادل‭ ‬الغافية؛‭ ‬هناك‭ ‬عبد‭ ‬السادة‭ ‬البصري‭ ‬وعلي‭ ‬سعدون‭ ‬ورعد‭ ‬فاضل‭ ‬وجمال‭ ‬الهاشمي‭ ‬وبشار‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ورسمية‭ ‬محيبس‭ ‬زاير‭ ‬وحمد‭ ‬الدوخي‭ ‬ونامق‭ ‬عبد‭ ‬ذيب‭ ‬وحمد‭ ‬الأنباري‭ ‬وفرج‭ ‬ياسين‭ ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬زيد‭ ‬الشهيد‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬رزاق‭ ‬الزيدي‭ ‬و‭ ‬إبراهيم‭ ‬سبتي‭ ‬وهادي‭ ‬مهدي‭ ‬شعلان‭ ‬وأمير‭ ‬الحلاَّج‭ ‬وصلاح‭ ‬زنكنة‭ ‬وعلي‭ ‬حسين‭ ‬عبيد‭ ‬فاكهة‭ ‬كربلاء‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الفصول‭. ‬هناك‭ ‬قبور‭ ‬تشعُّ‭ ‬بالنور‭.. ‬مرقد‭ ‬نخلة‭ ‬الله‭ ‬وحفيد‭ ‬الطاطران‭ ‬وكزار‭ ‬وإبراهيم‭ ‬الخياط‭ ‬وجنداري‭ ‬وعقيل‭ ‬علي‭ ‬وهادي‭ ‬السيد‭ ‬وحسن‭ ‬مطلك‭ ‬وعبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الراشد‭ ‬وحامد‭ ‬فاضل‭ ‬سارد‭ ‬صحراء‭ ‬المشرق‭ ‬ورعد‭ ‬مطشَّر‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬غرقاهُ‭ ‬يجمعون‭ ‬الخسران؛‭ ‬وسلمان‭ ‬داود‭ ‬محمد‭ ‬بعلامته‭ ‬الفارقة،‭ ‬وجليل‭ ‬القيسي‭ ‬قلعة‭ ‬كركوك‭. ‬كم‭ ‬أتمنى‭ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬قبورهم‭ ‬مزارات‭ ‬مقدسة،‭ ‬ويزورها‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬رحيلهم،‭ ‬مازالت‭ ‬خدود‭ ‬البلاد‭ ‬يانعةً‭ ‬ولم‭ ‬تذبل‭ ‬يوماً‭ ‬برغم‭ ‬الكروب؛‭ ‬مازال‭ ‬الفرات‭ ‬يصدح‭ ‬بالغناء‭ ‬ومازالت‭ ‬نوارس‭ ‬دجلة‭ ‬ترفرف‭ ‬فوق‭ ‬جسر‭ ‬الجمهورية؛‭ ‬أجاب‭ ‬بنبرةِ‭ ‬حزنٍ‭ ‬لكنَّ‭ ‬البلاد‭ ‬ينخرها‭ ‬الفساد‭ ‬والطارئين‭ ‬يتحكمون‭ ‬بمصائرنا؛‭ ‬أجبتهُ‭ ‬سينتصر‭ ‬مشعل‭ ‬الإبداع‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬فهناك‭ ‬سرب‭ ‬مبدعين‭ ‬في‭ ‬المهاجر‭ ‬يكتبون‭ ‬بدمع‭ ‬الغربة‭ ‬أبهى‭ ‬النصوص‭ ‬للبلاد،‭ ‬وهناك‭ ‬كمال‭ ‬العبدلي‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬يصيح‭ ‬أوَّاهُ‭ ‬يا‭ ‬عراق‭. ‬سألني‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ولكن‭ ‬يقولون‭ ‬إنك‭ ‬استبدلت‭ ‬القصيدة‭ ‬بكأس‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬وما‭ ‬عدت‭ ‬تتذكَّر‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬خزعل‭ ‬الماجدي‭ ‬وزاهر‭ ‬الجيزاني‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬قصائد‭ ‬أقل‭ ‬صمتاً؟‭ ‬أجبتهُ‭ ‬واثقاً‭ ‬وهل‭ ‬يُنسى‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عكازة‭ ‬رامبو‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬شعراء‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬يستفيقون‭ ‬من‭ ‬سباتهم‭ ‬ومن‭ ‬سوى‭ ‬الجيزاني‭ ‬من‭ ‬صرخ‭ ‬انكسري‭ ‬يا‭ ‬عربة‭ ‬الغزاة؛‭ ‬وهل‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬الليالي‭ ‬كلها‭ ‬يذوب‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬بغفلة‭ ‬كأس‭ ‬من‭ ‬النبيذ‭ ‬الرخيص‭. ‬سألني‭: ‬العصافير‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬الرصاص‭ ‬لمن؟‭ ‬قلتُ‭ ‬لمنْ‭ ‬ترك‭ ‬العاشقة‭ ‬تنتظر‭ ‬تحت‭ ‬نصب‭ ‬الحرية‭ ‬وموجز‭ ‬الأخطاء؟‭ ‬قلت‭ ‬وفي‭ ‬صدري‭ ‬بحة‭ ‬حزن‭ ‬لمن‭ ‬ترك‭ ‬مواجع‭ ‬غربته‭ ‬تلتحق‭ ‬بالموت‭ ‬السابق؛‭ ‬وسلاماً‭ ‬أيها‭ ‬الفقراء‭ ‬لمنْ؟‭ ‬قلتُ‭ ‬للحطَّاب‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يطرد‭ ‬الغربان‭ ‬من‭ ‬غابته‭ ‬الخضراء؛‭ ‬قال‭ ‬أسئلتي‭ ‬لك‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭ ‬ولي‭ ‬معك‭ ‬صولة‭ ‬أخرى‭ ‬تصيبك‭ ‬بالنخاع‭ ‬ضحكتُ‭ ‬وأجبتهُ‭ ‬أنَّ‭ ‬ضرب‭ ‬الحبيب‭ ‬مثل‭ ‬أكل‭ ‬الزبيب‭ ‬ثم‭ ‬تنهَّدتُ‭ ‬لأرجوه‭ ‬أن‭ ‬يمنحني‭ ‬فرصة‭ ‬السؤال،‭ ‬قال‭ ‬بلهفة‭ ‬اسأل‭.. ‬مكثتُ‭ ‬صامتاً‭ ‬وهو‭ ‬يردد‭ ‬اسألْ؛‭ ‬اسألْ؛‭ ‬يا‭ ‬صعلوك‭ ‬اسأل‭ ‬يا‭ ‬نوَّاب؛‭ ‬كان‭ ‬الدمع‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدته‭ ‬على‭ ‬قميصي‭ ‬بصمت؛‭ ‬هززت‭ ‬رأسي‭ ‬أسفاً‭ ‬فتساقطت‭ ‬عبراتي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المهجر؛‭ ‬لأرفع‭ ‬كأس‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬وأصرخ‭ ‬بحرقةٍ‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬غصَّة‭ ‬فلا‭ ‬شاعر‭ ‬زار‭ ‬قبر‭ ‬شاعر‭ ‬ولا‭ ‬قصيدة‭ ‬ولا‭ ‬قصة‭ ‬كُتبت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بجرأة‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬وعن‭ ‬الذين‭ ‬نهبوا‭ ‬ودمروا‭ ‬البلاد‭.. ‬سألني‭ ‬وماذا‭ ‬تفعل‭ ‬الآن؟‭ ‬أراجعُ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬كتبتها‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬وأتابع‭ ‬مباريات‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬بشغف،‭ ‬لكن‭ ‬شعرتُ‭ ‬بالحيف‭ ‬على‭ ‬الحكُّام‭ ‬الذين‭ ‬يديرون‭ ‬المباريات؛‭ ‬سألني‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬الظلم؟‭ ‬أجبتهُ‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬بوضع‭ ‬أسمائهم‭ ‬وأعلام‭ ‬بلدانهم‭ ‬على‭ ‬قمصانهم‭ ‬أسوةً‭ ‬باللاعبين؟‭ ‬أجابني‭ ‬ضاحكاً‭: ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬الحاكم‭ ‬مظلوماً؛‭ ‬فهذا‭ ‬الأمر‭ ‬أسمع‭ ‬به‭ ‬لأول‭ ‬مرَّة؛‭ ‬أجبتهُ‭ ‬لقد‭ ‬كتبتُ‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬حول‭ ‬ذلك؛‭ ‬ضحكَ‭ ‬ساخراً‭ ‬مني‭ ‬وقال‭: ‬أنتَ‭ ‬مخبول‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭. ‬

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *