إن اللغة وعاء الفكر والوجدان و مرآتهما ، و عِظَم قدرها يكون بقدرتها على إبراز مراد الإنسان وتفهيم مقاصده ، وبما تنطوي عليه من خصائص . و لغتنا العربية بلغت مستوى رفيعا في هذا المجال ، و تميزت أيضا بأنها لغة القرآن و وعاء الإسلام ، و لها دور في هوية الأمة و وحدتها ، و هي الأساس الرئيس في العروبة ثقافة و انتماء ، و تمكنت من أن تكون عنصرا فاعلا في الثقافة الإسلامية و الإجتماعية لكل الشعوب التي اعتنقت الإسلام أو تأثرت به أو بالمحيط الإسلامي و البيئة الإسلامية .

إنها لغة فريدة استطاعت أن تحتضن المخزون الثقافي و الحضاري العالمي ، و كانت اللغة العالمية للعلم و الثقافة التي اتصل بها حبل الثقافة و الحضارة بين الأمم ، فلا غرو أن يكون لها يوم عالمي يحتفي به المجتمع الدولي ، و أحرى بأبنائها أن يعرفوا قيمتها في كل عصر . و من ثم لم يأت الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية اعتباطا ، فهي لغة عريقة ذات كفاءة و اقتدار في أداء المعاني العصية على الإحصاء بجزالة و بلاغة و جمال و دقة ، و قد لعبت دورا عظيما في التقدم و الرقي الحضاري مرة حين كانت حلقة وصل بين حضارتين و أخرى حين كانت لغة العلوم و المعارف عالميا .

و إذا كان العالم يحتفي بلغتنا الأصيلة و الجميلة ، فيخصص لها اليوم العالمي للغة العربية ، فحريّ بنا أن نفخر و نعتز بهذه اللغة القيّمة التي هي أهم عناصر شخصيتنا و هويتنا التاريخية .و إذا كانت اللغة الفرنسية أساسا في الفرانكفونية الدولية ، فإن اللغة العربية هي الأقدر ربطا و امتدادا . و في اليوم العالمي للغة العربية ، يلمع اسم العراق الذي أسس الصيغ العلمية للغة العربية و آدابها ، و التي أهّلت هذه اللغة العظيمة لتلعب دورها التاريخي في العلم و الثقافة و الحضارة . في البصرة و الكوفة و بغداد تبلورت علوم النحو و الصرف و البلاغة و فقه اللغة و العروض و الخط و الشكل . يجب أن يكون اليوم العالمي للغة العربية مناسبة للتعريف بلغتنا عالميا بما لها من مميزات و بوصفها أحد أهم اللغات الحية في العالم ، و يجب أن يكون مناسبة لتعريف أبنائها بقيمتها الكبيرة و خصائصها الفريدة التي تجعلها بحق مثار فخر و اعتزاز و مزيد من الإرتباط و التمسك بها . إن الأمم التي تحترم هويتها و تاريخها و تراثها و دورها الحضاري ، تكون أحرص على احترام لغتها و الإعتزاز بها لا كشعار فقط ، و إنما في الواقع المعاش ، و إن الانتكاس الثقافي و الحضاري يبدأ من اللغة .

إن الإنفتاح على حضارات الأمم يجب أن لا يجر الى الإستخفاف بلغتنا و الذوبان في هوية الآخر و لغته على حسابها ، و لنا أمثلة في شعوب حية كاليابانيين و الألمان ، بلغت الذروة في تفاعلها الحضاري الحديث ، لكنها لم تتنازل عن هويتها و لغتها ، و نحن أجدر بهذه الخصلة لتميّز لغتنا في خصائصها التعبيرية ، و لما حظيت به من قيمة دينية و ثقافية و اجتماعية ، و لما لأمتنا من عمق حضاري و تاريخي .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *