محمد الكلابي

 

قد يبدو غريباً أن تقديم فيدريكو غارسيا لوركا ( المولود في 1898/6/5 في قرية فونتي فاكيروس أحدى قُرى غرناطة) ليس بالعمل السهل على الرغم من توفر كاملِ أعمالهِ باللغةِ العربية ، أن الصعوبة تكمن غموض المعنى عند هذا الشاعر الذي عاش في القرن العشرين القرن الذي تصاعد فيهِ العنف وملئ فيهِ الصُراخ بكلِ أنواعه ( صراخ الحُزن و الرفضِ و الأستسلامِ و الأنتقام ) كُل أرجاء العالم وبقيَّ الغموض ملازماً لهذا الشاعر طوال تجربتهِ الحياتية الذي قضاها يكتشفُ ذاته ملتزماً بقضايا الأنسانِ في الوجود كما كان يقول دائماً ( الشاعر يجب عليهِ أن يبكي و يضحك مع شعبه) وقولهِ هذا لا يعنيهِ قبولهِ بالأقليمةِ و تحديدهِ بالموقع الذي تفرضهُ الهوية فقد كان في جوهرهِ يريد التحليق فوق غرناطة وفوقَ مدريد و أسبانيا و حتى فوق الثقافةِ الأندلسية ويصل الى العالم من أقصاهِ الى أقصاه مخلصاً لنفسِ غير خائناً لأحد

ينتمي لوركا للجماعة الأدبية المعروفةِ بأسم جيل ال27 و التي أسسها لوركا مع مجموعة من أصدقائهِ الذين يتراوح أنتاجهم الأبداعي بينِ الرسم و الشعر أبرزهم سيلفادور دالي و رافائيل ألبرتي وبدرو ساليناس عام 1921 ، يتعمد أنتاجهم الأدبي على الرجوع الى الموروث و أضفاء عليهِ علامات الحداثة فالموروث الأدبي الأسباني الذي كان قائماً على الأيقاع أضفى عليهِ أبناء هذا الجيل الأدبي الصورة وهي من تقنيات الحداثة ، وكان لوركا جسراً ممدوداً بين نهرين بعيدين هما تقاليد التصوف الريفية التي أطرت طفولتهِ وبين الظلم العالمي للسريالية الفرنسية التي أكتشفها في شبابهِ وبداية حياتهِ الأدبية

ولوركا مثل جميع الشُعراء الذين ينفرون من الآيدلوجيات العقائدية يحب الحُرية و السر

فالحرية تعطيهِ المساحة الأوسع للوجود و السر يمكنهُ من الهرب من الأعين الفضولية وكلاهما يساعدانهِ على الغوص في الأشياء و أكتشاف معانيها

ويمكن أتباع التحولات في شعر لوركا على أربعةِ مراحل

المرحلة الأولى التي تبدأ بأولى قصائدهِ وتنتهي بقصيدة الغناء العظيم دون أن تتضمنها ونجد في هذهِ المرحلة أسلوباً من الحنين يخضع لهُ ويؤثر فيهِ جزئياً الشاعر خوان رامون خمينس و الموضوعات في هذهِ المرحلة متصلة بتطلعات و خيبات الأنسان المراهق وتضم هذهِ المرحلة الأبداعية كتاب الشعر و الأغاني الأولى و كتاب الأغاني وفي هذا الأخير الأسلوب أكثر جفافاً يتسم بتقلب النزوات و الخروج على التوقع بأكثر من أسلوب خوان خمينس و أتباعهِ من الرمزيين الأسبان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *