تنال كلمة “القرن” في هذه الأيام وقعاً خاصاً للتفخيم السياسي في الاعلام المرتبط بالدول والحكومات والاحزاب بشأن قضايا محددة تحتمل أوجه التأويل والاختلاف، وربّما الاتهامات أيضاً.

حين جرى افتتاح القرن الحادي والعشرين بثلاثة أحداث كبرى هي تفجير البرجين وقصف مبنى البنتاغون بالطائرات المخطوفة، وحرب أفغانستان التي استمرت عشــــــرين سنة وانتهت بإعادة النظام السياسي ذاته الذي قاـتلته وأسقطته الولايات المتحدة وحلفاؤها في العام 2001 ثمّ كارثة الكوارث في العام 2003 في حرب احتلال العراق التي قامت على أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل، وأكذوبة تأسيس نظام ديمقراطي مدني يعيد للعراق مكانته الدولية وهيبته بعد حقبة حكم الفرد الواحد، لم يقم صانعو الميديا السياسية بربط أيّ من تلك الأحداث، برغم جسامتها وفجائعيتها، باحتمال كونها امتيازاً وعلامة من علامات القرن الجديد، ربّما لأنَّ القرن كان في أوّله، وانَّ الكبار يعلمون أو يتوقعون أنَّه لايزال في الجعبة الكثير، وأنَّ مائة سنة زمن طويل يحتمل اختفاء دول وقيام أخرى، وأفول زعامات وظهور سواها، ورفع شعارات وايديولوجيات واندثارها، ربّما أكثر من مرة من دون أن ينتهي القرن.

غير انّه في السنوات الخمس الأخيرة، نهض مصطلح “صفقة القرن” في إشارة الى جوهر الصراع في الشرق الأوسط وهو القضية الفلسطينية واتفاقيات التطبيع الساعية لتسويات تاريخية كبرى. ويبدو انَّ لفظة القرن كانت من التفخيم والمهابة ما يجعل الآخرين منجذبين الى استخدامها، حتى لو في مواضع اقل شأناً ووزناً، أو في توصيف كوارث طبيعية، بالرغم من انهم لا يعلمون إن كانت هي أكبر ما سيواجه الانسان في هذا القرن أم انَّ هناك أكبر منها، كما وجدناهم في الأيام الثلاثة الأخيرة يطلقون تسمية “عاصفة القرن الثلجية” على الكارثة الجوية الأسوأ التي ضربت مناطق شاسعة وولايات عديدة في الولايات المتحدة وشلت الحياة والرحلات الجوية في أعز مواسمها المرتبطة بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. غير انّ معطيات التغير المناخي المفجعة ستفتح الأبواب على مصائب أكبر وأعنف في هذا القرن الذي لم تُتم البشرية ربعه الأول حتى اللحظة. وربّما كانت جائحة كورونا علامة صغرى من علامات هذا القرن.

اللافت انّ الصراع السياسي في العراق دفع بالسياسيين الى إطلاق مصطلح (سرقة القرن) على نهب مليارين ونصف المليار من دولارات أموال الضرائب العامة، فيما لم تنل السرقات التي سبقتها وكانت في مجموعها أكثر دسماً التسمية ذاتها. ولا يزال المجال مفتوحاً لتكرار سرقات أضخم كما كان يحدث مع مجيء كل حكومة جديدة، برغم كل ما يُقال من برامج وشعارات.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *