عندما كنت مدرساً قبل حوالي ثلاثين سنة ، في مدرسة ريفية ، وكنت للتو انهيتُ الخدمة العسكرية المقيتة ، دخلت للصف الثالث المتوسط ، ناديت على الطالب ذي الطول الفارع ، وطلبت منه احضار الواجب البيتي ، وقف الطالب صامتاً كانه هبل العظيم ، كررت طلبي فلم يرد ، قلت له ؛

( اليوم السبت وكان عندك الجمعة لتحضير الواجب وهو بسيط ولكنك لم تفعل مع ان جميع الطلاب قد احضروا الواجب ثم انك لا ترد لانك لا تملك عذراً وسبباً ، ولهذا فانت صامت لاترد وهذا اهمال وعناد ولذلك حق عليك العقاب فافتح يديك …. )

ضربتُ يدي الطالب العملاق ، لكنه كان صامداً لا ينظر الي، مما سبب زيادة في غضبي لوقاحة الطالب ، استمررتُ في ضربهِ وبشدة على يديهِ ….

فجأة ، يبدو ان الضرب اذاه وآلمهُ وقرر في نفسه عمل رد فعل عنيف ، فامسك العصا التي كنتُ اضربه بها واخذها من يدي وكسرها ثم هرب من الصف وهو يصيح غاضبا ؛

هذا شاربي مو عليَّ اذا اداوم بعد …

هنا وقفتُ مندهشاً من ردة فعله العنيفة ، فنهض مراقب الصف وقال ؛

استاذ ممكن اكول السبب ؟

قلت اي سبب ؟

قال ؛ استاذ تره عمار الخميس تزوج يعني اول امس …

قلت ؛ شنوووووو ؟ وليش ما گال ؟

قال ؛ استاذ مو يستحي يكول لان هو نسى يعزمك على عرسه وفشله منك والله يا استاذ ، وكل احنه خجلانين منك …

لم اصادف في حياتي موقفا صعبا كهذا . ما هذه الاخلاق الرائعة ؟ اي حماقة مني ؟ ما الحل ؟ لقد ارتكبتُ غلطة لا تغتفر . لماذا هذا الغرور مني ؟ لعن الله الواجب ولعن الله ابو الانكليزي . لماذا التكبر ؟ واصلا لماذا العقاب البدني ؟ اهذا اسلوب تربية ؟ هذه مدرسة ليس جيشاً …

بقيت دقائق خجلاً صامتاً محتاراً افكر في اعتذار …

طلبت من مراقب الصف ان يخرج فوراً من الصف ويذهب الى الطالب المتزوج ، ليخبره اني قادم للاعتذار منه ويساله هل يقبل اعتذاري ام يحتاج الامر الى ( مشية ) وفصل ؟

ذهب المراقبُ ثم عاد واذا بالعريس معه …

وقبل ان انطق بكلمة واحدة وقف امامي مطرقاً ورايت والله ان الدمعة تتلألأُ في عينيه قال امام الصف ؛

استاذ انا اسف ، بس والله اليوم اذا ما تجي تتغده يمي ازعل منك وبعد ما اداوم ؟

لم انطق بكلمة ، احتضنتهُ وبقوة وكانه طفلي الذي انتظره …

قلتُ ؛ وليدي هل سمعتَ قول الشاعر ؛

وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُمُ

سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ

قال استغفر الله استاذ انت مثل ابوي .

تغديت معه …

وفي اليوم التالي جلبت له هدية الزواج

واصبح هو واهله بمثابة اهلي في تلك القرية ….

لقد علمني تلميذي درساً لن انساه ما حييت ومنذ ذلك اليوم وجميع طلبتي.

{ عن مجموعة واتساب

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *