يا‭ ‬سيَّدة‭ ‬النخل‭ ‬الصابر‭ ‬في‭ ‬أحلى‭ ‬النجماتِ‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬شهقةِ‭ ‬فجرٍ‭ ‬يبزغُ‭ ‬من‭ ‬عينيكِ‭ ‬الخضراوينِ‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬زغرودة‭ ‬أمٍّ‭ ‬نثرتْ‭ ‬دمع‭ ‬العينِ‭ ‬شموعاً‭ ‬لخطاكِ‭.. ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬أعلى‭ ‬رابيةٍ‭ ‬من‭ ‬هذي‭ ‬الأرض‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬النخل‭ ‬المثمر‭ ‬وغناء‭ ‬الطير‭ ‬وهديل‭ ‬حمام‭ ‬البيتِ‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬زفَّةِ‭ ‬عرسٍ‭ ‬وصهيلِ‭ ‬جوادٍ‭ ‬وشارةِ‭ ‬نصرٍ‭ ‬من‭ ‬كفِّ‭ ‬الأطفال‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬الخضرةِ‭ ‬والفضَّةِ‭ ‬والفيروز‭ ‬وطينٍ‭ ‬فراتٍ‭ ‬ونوارس‭ ‬مقاهي‭ ‬العشَّار‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬سوق‭ (‬الخضٌارة‭) ‬يا‭ ‬مبخرة‭ ‬العطر‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬خبز‭ ‬شعير‭ ‬الفقراء‭ ‬وشعر‭ ‬السيَّاب‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬رائحة‭ ‬القهوة‭ ‬ما‭ ‬أطيبها‭ ‬وحصاد‭ ‬الفلاحين،‭ ‬وماء‭ ‬جبين‭ ‬العمال‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬صوت‭ ‬الأذان‭ ‬وترتيل‭ ‬القرآن‭ ‬نراكِ‭ ‬وفي‭ ‬حزن‭ ‬جنود‭ ‬في‭ ‬عربات‭ ‬قطار‭ ‬نازلَ‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬دفء‭ ‬مواقدنا‭ ‬والمطر‭ ‬الصيفي‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬زهر‭ ‬القدَّاح‭ ‬وماء‭ ‬الرمَّان‭ ‬وعطر‭ ‬الشهداء‭ ‬وقلب‭ ‬البصريين‭ ‬الكرماء‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬شجرة‭ ‬سدرٍ‭ ‬من‭ ‬بستان‭ ‬أبي‭ ‬الخصبِ‭ ‬وفي‭ ‬طيب‭ “‬حلاوة‭ ‬نهر‭ ‬خوز‭” ‬وبيادر‭ ‬طلع‭ ‬النخل‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬طين‭ ‬قباب‭ ‬مساجدنا‭ ‬ومنائرنا‭ ‬ونواقيس‭ ‬كنائسنا‭ ‬ودعاء‭ ‬الناس‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬العوَّام‭ ‬زبير‭ ‬ٍوخطى‭ ‬فتى‭ ‬الإسلام‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬ملح‭ ‬الفاو‭ ‬شجيٌرة‭ ‬حنٌاءٍ‭ ‬زهرة‭ ‬بمبر‭ ‬وسط‭ ‬الجمر‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬آثار‭ ‬من‭ ‬بابل‭ ‬أوْ‭ ‬آشور‭ ‬نراكِ،‭ ‬وفي‭ ‬الريحان‭ ‬وعطر‭ ‬النعناع‭ ‬وغصن‭ ‬الزيتون‭ ‬وموج‭ ‬الخلجان‭ ‬نراكِ،‭ “‬هذا‭ ‬شاعرك‭ ‬السيَّاب‭ ‬يهبطُ‭ ‬من‭ ‬نصبه‭ ‬ملهوفاً‭ ‬ليستقبل‭ ‬ضيوفك‭ ‬بالأحضان‭” ‬ويردد‭ ‬وطني‭ ‬يزهو‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬دوماً‭ ‬مثل‭ ‬ملاك،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرهُ‭ ‬يستأذن‭ ‬روح‭ ‬فراتي‭ ‬يخرج‭ ‬كالطير‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬بؤبؤ‭ ‬جرحي‭ ‬كي‭ ‬يوصل‭ ‬أطفال‭ ‬مدارس‭ ‬نحو‭ ‬منازلهم،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصره‭ ‬يجلس‭ ‬بين‭ ‬أناس‭ ‬بسطاء‭ ‬يبارك‭ ‬مجرى‭ ‬قطرات‭ ‬العرق‭ ‬المتألق‭ ‬فوق‭ ‬جبين‭ ‬الفقراء‭ ‬ويطمئنهم‭ ‬أنَّ‭ ‬الخير‭ ‬وفير‭ ‬آت،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرُ‭ ‬سيَّاب‭ ‬الشعر‭ ‬يسير‭ ‬وحيداً‭ ‬يتمشَّى‭ ‬فوق‭ ‬الجسر‭ ‬ليطعم‭ ‬سرب‭ ‬نوارس‭ ‬حبات‭ ‬القمح‭ ‬ويمضي‭ ‬فرحاً‭ ‬في‭ ‬زورق‭ ‬عرسٍ‭ ‬يتهادى‭ ‬في‭ ‬الشط‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬يتوضأ‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬فرات،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرهُ‭ ‬مع‭ ‬حشد‭ ‬البنائين‭ ‬يرمّم‭ ‬مبنى‭ ‬أو‭ ‬يغرس‭ ‬شتلة‭ ‬وردٍ‭ ‬في‭ ‬جرح‭ ‬شهيد‭ ‬بصري‭ ‬مازال‭ ‬سراجٌ‭ ‬من‭ ‬دمه‭ ‬يتوهَّجُ‭ ‬أعلى‭ ‬الثكنات،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرهُ‭ ‬يتلو‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬مع‭ ‬خيط‭ ‬الفجر‭ ‬الأوَّل‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬أبعد‭ ‬قرية‭ ‬ويصلّي‭ ‬منشرح‭ ‬القلب‭ ‬ركعات‭ ‬الشكر‭ ‬للرحمن،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرهُ‭ ‬يشعلُ‭ ‬قنديل‭ ‬الشعر‭ ‬فنارات‭ ‬للقادم‭ ‬توَّاً‭ ‬من‭ ‬منفاه،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصر‭ ‬سيَّاب‭ ‬الشعر‭ ‬حزيناً‭ ‬يرنو‭ ‬للنخل‭ ‬شناشيل‭ ‬بنات‭ ‬الجلبي‭ ‬وشبابيك‭ ‬وفيقة‭ ‬ويئنُّ‭ ‬كتوما‭ ‬ً‭ ‬آه،‭ ‬أحياناً‭ ‬أبصرهُ‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬التاريخ‭ ‬ويقبٌل‭ ‬كل‭ ‬الشجعان‭ ‬من‭ ‬جلجامش‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أهدى‭ ‬زهرة‭ ‬عمره‭ ‬لبهاء‭ ‬الإنسان‭ ‬ويعود‭ ‬يردِّدُ‭ ‬شعراً‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬النخل‭ ‬الصابر‭ ‬وطني‭ ‬الساكن‭ ‬لبَّ‭ ‬القلبِ‭ ‬دمعة‭ ‬أمي‭ ‬لثغة‭ ‬طفلي‭ “‬غيلان‭” ‬آهة‭ ‬جدَّي‭ ‬مرآة‭ ‬العشق‭ ‬المتلألئة‭ ‬في‭ ‬أفئدة‭ ‬الناس‭ ‬أبداً‭ ‬تبقى‭ ‬مشتعلاً‭ ‬كل‭ ‬الوقت‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬زمان،‭ ‬وطني‭ ‬خُذْ‭ ‬روحي‭ ‬جرَّة‭ ‬ماء‭ ‬واسكبها‭ ‬فوق‭ ‬شفاه‭ ‬النخل‭ ‬الظامئ‭ ‬في‭ ‬الهيجاء،‭ ‬خُذْ‭ ‬قلبي‭ ‬خبزاً‭ ‬وأطعمه‭ ‬شفاه‭ ‬الأطفال‭ ‬الشهداء،‭ ‬خُذْ‭ ‬قرَّة‭ ‬عيني‭ ‬قناديل‭ ‬ضياءٍ‭ ‬للأعمى‭ ‬كي‭ ‬يبصر‭ ‬وجه‭ ‬بلادي‭ ‬الأحلى‭ ‬ويرى‭ ‬حشد‭ ‬بلابل‭ ‬مازالت‭ ‬تطرب‭ ‬رغم‭ ‬الجوع‭ ‬الأسود‭ ‬شجر‭ ‬الدفلى‭ ‬وتبدّدُ‭ ‬حزناً‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الأم‭ ‬وترسم‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الكهل‭ ‬رجاء،‭ ‬خُذْ‭ ‬كفيَّ‭ ‬شراعاً‭ ‬للصيادين‭ ‬وهم‭ ‬يصطادون‭ ‬بسنَّارات‭ ‬الصبر‭ ‬عقيق‭ ‬الدمع‭ ‬وكل‭ ‬هموم‭ ‬الناس،‭ ‬خُذْ‭ ‬أنفاسي‭ ‬الحرَّى‭ ‬من‭ ‬رئة‭ ‬الشعر‭ ‬ودعْ‭ ‬كل‭ ‬المنكوبين‭ ‬يشمُّوا‭ ‬عطر‭ ‬الورد‭ ‬ويغفو‭ ‬فوق‭ ‬مروج‭ ‬بلادي‭ ‬بسلام،‭ ‬خُذْ‭ ‬شفتي‭ ‬لتقبل‭ ‬كل‭ ‬قرانا‭ ‬وحدائقنا‭ ‬وشوارعنا‭ ‬ومنازلنا‭ ‬بيتاً،‭ ‬بيتاً،‭ ‬وطني‭ ‬أنحرني‭ ‬تحت‭ ‬قدميك‭ ‬الطاهرتين‭ ‬كبش‭ ‬فداء،‭ ‬خُذْ‭ ‬هذا‭ ‬الصدر‭ ‬المعلول‭ ‬قنيطرة‭ ‬كي‭ ‬يعبر‭ ‬فوق‭ ‬هواها‭ ‬كل‭ ‬عراقي‭ ‬صابر‭ ‬وأرى‭ ‬فوق‭ ‬ضلوعي‭ ‬تمشي‭ ‬زهواً‭ ‬كل‭ ‬خطى‭ ‬الشهداء،‭ ‬وطني‭ ‬أنت‭ ‬فردوس‭ ‬العمر‭ ‬تراب‭ ‬الروح‭ ‬فخذني‭ ‬كبش‭ ‬فداء‭.. ‬وهنا‭ ‬غادرني‭ ‬السيَّاب‭ ‬كان‭ ‬يغني‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬النصب‭ ‬في‭ ‬العشَّار‭ “‬هي‭ ‬ذي‭ ‬البصرة‭ ‬حلوةْ‭ ‬كعروس‭ ‬قروية،‭ ‬رقصات‭ ‬وأغان‭ ‬وزغاريد‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬البصرة‭ ‬حرَّةْ،‭ ‬لمْ‭ ‬تزل‭ ‬فيها‭ ‬التمور‭ ‬المشتهاة‭ ‬والشهامة‭ ‬والسخاء‭ ‬البصري‭ ‬وأناشيد‭ ‬المطر‭ ‬لمْ‭ ‬يزلْ‭ ‬فيها‭ ‬بويبٌ‭ ‬ووفيقةْ،‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬البصرة‭ ‬قِبلة‭ ‬للخليج،‭ ‬مهرها‭ ‬مليون‭ ‬نخلةْ،‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬أم‭ ‬البسالة‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬تاج‭ ‬الرؤوس‭.‬

حسن‭ ‬النواب

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *