بعيدًا عن حالات المغالاة في المدح أو الذّم ، وعن نوبات التشنّج والسلبيّة الّتي عادةً ما ترافق نقاشاتنا ، وما يرافق تلك النقاشات من كلمات نابية وجارحة وغير مسؤولة ، بمناسبة وبغير مناسبة ، في تقييم الأحداث أو الأشياء أو الشخصيّات ، وبغضّ النظر عن توجّهات هذا الحزب أو ذاك وهذه الجماعة أو تلك . أقول : إنّ فعّاليّات افتتاح بطولة كأس الخليج العربيّ ( خليجي 25) كانت لوحة بانوراميّة ضخمة ومذهلة جذبت العيون وكشفت عن جهود مباركة في الاعداد وفي إنجاز اللوحات ، وعن تألّق رائع في العرض الواسع والشامل للعمق التاريخي والحضاري للعراق بصورة عامّة ، وللبصرة بشكلٍ خاص ، وكلّ ذلك تمّ خلال زمن قياسيّ لم يتجاوز الـ (60) دقيقة .

لقد كان افتتاح بطولة (خليجي 25) كرنفالًا عراقيًّا بامتياز ، وليس بصريًّا فقط ، فبعد أن أعلن اتّحاد كأس الخليج العربيّ لكرة القدم بتاريخ 28 / 10 / 2019 عن تضييف مدينة البصرة لهذه البطولة ، وذلك بعد عدم ترشيح أيّ دولة خليجيّة لملّفها في مواجهة العراق ، تضافرت كلّ الجهود الحكوميّة الرسميّة من أجل انجاح هذا العرس العراقيّ ، وأوّل هذه الجهود وعلى رأسها جهود الأستاذ المهندس أسعد العيداني ، محافظ البصرة ، الّذي قال في تغريدة له قبل أشهر : (مبارك للعراق ، البصرة جاهزة) ، مجسّدًا كلامه بعمل دؤوب لا يعرف الملل ولا الكلل ، ثمّ قال قبل افتتاح البطولة بيوم واحد مستبشرًا (العراق قادم البصرة قادمة). كما تمثّلت هذه الجهود أيضًا بشخص رئيس الوزراء ووزراء الداخليّة والنفطوالثقافة والشباب ووزارة النقل ، في تسخير كلّ الامكانيّات المتاحة لهم ، وكلّ الدوائر المعنية التابعة لوزاراتهم ، من أجل أن تكون بطولة ناجحة بدعم الجميع ، لكي يعود العراق الّذي غيّبته الديكتاتوريّة والحروب قبل 2003 والأوضاع السياسيّة والدعاية المضادة والمضللّة بعدها ، إلى الحضن العربي والخليجي ، بعد أكثر من أربعة عقود حرمته من ذلك ، بعد احتضانه الأوّل لبطولة خليجي سنة 1979 الّتي أقيمت في بغداد .

بطل رياضي

وفي سياق آخر ، فقد كان للبطل الرياضي الكابتن عدنان درجال ، رئيس الاتّحاد العراقيّ لكرة القدم ، دورًا كبيرًا وبارزًا في انجاح حفل افتتاح بطولة خليجي 25 وذلك من خلال تهيئة كافة الاستعدادات لتأمين جميع معايير اللجنة المشرفة على تنظيم البطولة ، لكي تكون أجواء النسخة 25 من كأس الخليج مميّزة ، ولم يكتف بذلك بل أشرف بنفسه على انسيابيّة دخول الجماهير ، ومعالجة بعض التلكّآت والأخطاء الّتي لا يمكن أن تخلو منها افتتاحيّة أو احتفاليّة في أي بلد من البلدان ، يرافقه في مهمّته الأستاذ العيداني محافظ البصرة . كما لعبت التغطية الاعلاميّة لقناة الشرقيّة دورًا لا ينسى ، إذ جعلت المشاهد العراقيّ يعيش أجواء الفرح البصريّ ساعة بساعة . وعلى المستوى الشعبيّ فقد شهدت محافظة البصرة حركة دؤوبة لاستقبال الوافدين من دول الخليج العربي ومن محافظات العراق ، فزيّنت الشوارع وواجهات المحلّات والدكاكين بكلمات الترحيب ، وبأعلام الدول الخليجيّة المشاركة ، كما أعلنت بعض الشخصيّات العشائريّة وقسم من أصحاب المطاعم والفنادق ، عن استعداد الجميع لاستقبال ضيوف البصرة والعراق ، وإن كان استعدادًا مبالغ به في نظر بعض المراقبين ، لكنه على كلّ حال يدلّ على شدّة الفرح والسرور بهذا التجمّع الخليجي العربيّ . ولم يقتصر الأمر على أهل البصرة فقط ، فقد أسهمت المحافظات القريبة من البصرة ، كمدينة الناصريّة على سبيل المثال لا الحصر ، في الجهد الخدمي لخليجي 25 وذلك من خلال توفير باصات النقل المجّاني إلى البصرة لمن يرغب في ذلك من المشجّعين . ومن الّذين حضروا إلى البصرة ودهشوا بما رأوا من استقبال بصريّ حار ، مدرّب دولة قطر برونو ميغيل فكتب مغرّدًا : (هذه زيارتي الأولى إلى العراق وفوجئتُ بالتنظيم ومساندة الجماهير العراقيّة لنا). وممّا زاد افتتاح كأس الخليج العربيّ (خليجي 25) أهميّة على مستوى الحاضر والمستقبل هو حضور رئيس الاتّحاد الدّوليّ لكرة القدم جياني انفانتينو في ملعب جذع النخلة ، وتصريحه بعد الانتهاء ومغادرة الملعب : (كان من الرائع حضور حفل الافتتاح والمباراة الافتتاحيّة لكأس الخليج العربيّ 2023 في البصرة بالعراق) وتابع (أنا سعيد للغاية لأنّ كرة القدم التنافسيّة قد عادت أخيرًا إلى العراق).

أخيرًا أقول : لقد أثبتت ردود الأفعال ، المتمثّلة بالتعليقات والتغريدات وتسجيلات الفيديو واليوتيوب ، ومن مختلف شرائح المجتمع العراقيّ والعربيّ والعالميّ ، الّتي ملأت قنوات الاتّصال الاجتماعيّ ، نجاح افتتاحيّة البطولة نجاحًا باهرًا ، وملفتًا للنظر ، وأنّها ستكون فاتحة خير للعراق وللبصرة وللخليج العربيّ .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *