الاتفاقات التي يعقدها العراق مع دول الجوار، في عهد أي حكومة لابدّ ان تكون ملزمة لجميع الحكومات اللاحقة بغض النظر عن الخلافات في وجهات النظر، ما لم تحدث أمور كبيرة ومصيرية تغير الحقائق على الأرض، وهذا الامر لم يحدث حتى الان في علاقة العراق مع الأردن أو سواه من دول الجوار بعد عقد اتفاقيات ثنائية لربط المصالح في الطاقة والكهرباء، كما هي المصالح الأمنية مرتبطة أصلاً، وهناك تعاون مستمر منذ سنوات، لذلك يكون التعاون الاقتصادي عبر اتفاقيات استراتيجية مسألة مكملة للمشهد الإقليمي، ونتمنى ان تكون سوريا بعد تعافيها جزءا من تلك الاتفاقيات.
في الآونة الأخيرة، برزت أصوات في المحيط السياسي العراقي مرتبطة بلا شك بمراكز قوى معينة في البلد أو في خارجه، طعنت في اتفاقية ربط أنبوب النفط العراقي من البصرة الى ميناء العقبة في الأردن، بل ذهب أحدهم الى الإعلان صراحة بأنه أبلغ وفداً أردنياً رفيعاً، كلاماً على خلاف ما سمعوه من الجهات السياسية الرسمية في انه سيقوم بتفجير الانبوب الناقل للنفط العراقي الى الأردن ولن يسمح بإقامته بغض النظر عن الاتفاق الحكومي.
هذه هواجس مقلقة للأطراف العربية التي تشترك مع العراق بمشاريع، ومن ثمّ لا غرابة ان تحصل المكالمة الثلاثية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بمشاركة العاهل الأردني عبدالله الثاني الذي كان حاضرا في واشنطن، وأن تؤكد المكالمة على الحرص في تنفيذ الاتفاقات المشتركة التي تربط مصالح المنطقة. ويبدو انّ التأكيد على التزام الرئيس الأمريكي بإطار الاتفاقية الاستراتيجية مع العراق يدعم مصالح جميع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالمناسبة هنا، من الضروري التذكير أنّ العراق هو في صلب معادلة التحالف مع واشنطن، منذ أن أسقطت الجيوش الامريكية النظام السابق وأقامت نظاماً جديداً، وبتعاون من حلفاء عرب وغير عرب في المنطقة. والاتفاقية الاستراتيجية تعبير عملي عن ذلك التحالف، لكن الدولة العراقية تحتاج الى إنضاج مسارات الإفادة من واشنطن بما يعزز بناء الدولة، وهذا امر ليس سهلاً، لكنّه ليس مستحيلاً برغم منظومة الفساد المالي والسياسي.
أرى أنّ هناك التزاماً مفترضاً للحكومة وتحالفها الحاكم في منع الترويج الإعلامي والسياسي لأي صوت يؤذي العلاقات العراقية مع الدول العربية أو الجوار بشكل عام، من اجل تحقيق مزيد من الاستقرار في مصالح البلد أولاً وقبل مصالح الاخرين.