حين قرأت كتاب عبد السلام المجالي “من بيت الشعر إلى سدّة الحكم” وشاهدت حوارًا معه بعد ذلك على قناة الجزيرة مع الإعلامي سامي كليب أدركت كم هو شخصية متميّزة ومؤثرة وريادية، وهو ما لمسته حين قدّر لي أن أتعرّف عليه شخصيًا. وكان أخر مرة التقيته عند تأسيس مجموعة السلام العربي، حيث اجتمعنا في مكتبه: دولة الرئيس عدنان بدران، ومعالي الاستاذ سمير الحباشنة والسفير عباس زكي والأستاذ مروان الفاعوري. وقررنا حينها بالتعاون مع الرئيس علي ناصر محمد الانتقال بالفكرة من التنظير إلى التطبيق عبر إطلاق عدّة نداءات والقيام بعدد من المبادرات باسم المجموعة، ثم تحويلها إلى عمل مؤسسي، كان رحمه الله شديد الحرص على تشييده انطلاقًا من خبرته الغنيّة وتجربته الثرّة، فضلًا عن معرفته بما آلت إليه الصراعات العربية – العربية من تدهور الأوضاع. ربما هناك الكثير ممن هم أجدر مني بالحديث عن مناقب الرجل وذكر خصاله الحميدة وسجاياه الراقية، فأهل مكّة أدرى بشعابها، ولكن حين دعاني معالي الأستاذ سمير الحباشنة إلى الحديث عن الراحل عبد السلام المجالي في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، استجبت لذلك على الفور اعتزازًا وتقديرًا لما قدّمه خلال مسيرته الحافلة من أبسط المواقع المهنية وصولًا إلى أرفعها حين أصبح رئيسًا للوزراء.
عمل المجالي في ثلاث مجالات وأبدع فيها وهي: الطب والجيش والتعليم العالي، وثلاثتها تقدّم عطاءً وخدمة وتضحية للإنسان والإنسانية.واجتمعت في شخصيته ثلاث كفاءات هي الإدارة والسياسة والثقافة، مكمّلةً ثلاث صفات أساسية طيبة هي: السمعة العائلية والمكانة العشائرية والمنزلة الوطنية.كما جمع في شخصه الصلابة المبدئية والمرونة التكتيكية والنظرة المستقبلية، وذلك وفقًا لثلاث إعتبارات هي الاعتدال والوسطية والحزم.
وكان عبد السلام المجالي أكثر ميلًا إلى الإنجاز والعمل بصمت بعيدًا عن الأضواء، وهكذا سُجلت باسمه إنجازات كبيرة منها بناء مدينة الحسين الطبية، كما شهدت الجامعة الأردنية في عهده تقدمًا كبيرًا وعرفت وزارة التربية والتعليم العالي حين تولّاها روحًا جديدة.وخارج دوائر السياسة والحكم وإشكالياتهما ومشكلاتهما امتاز المجالي بسعة الصدر والحلم والتسامح، كما عكست شخصيته الصبر والأريحية والمرح . إضافة إلى كونها شخصية جامعة وهادئة ومتواضعة في الآن.
ومثلما كان متميّزًا في المواقع الرسمية التي شغلها، فقد كان في العمل المدني كذلك، خصوصًا في جمعية الشؤون الدولية. وفي كل خطوة اتّخذها كان واثق النفس مجتهدًا بغض النظر عن الظروف والأوضاع والملابسات التي عاشتها الأردن.
كلمة د. عبد الحسين شعبان في الاحتفالية التي نظّمتها جمعية أبناء الكرك للراحل الكبير بمناسبة مرور 40 يومًا على وفاته في 28 كانون الثاني / يناير 2023.