نِيامًا كان الناس، عند هدوء الصباح قبل الشروقِ من يوم الإثنين الموافق لِـ 6\2\2023م وتحديدًا عند الساعة 4:17 فجرًا حلَّت الكارثة وانقلبت مدنٌ تركية وسورية رأسًا على عقبٍ في دقائق معدودةٍ إثر زلزالٍ ضرب مدينة كهرمان مرعِش التركية جنوب تركيا وشمال غرب سوريا بقوة 7,8 درجات على مقياس ريختر بِعمق 17,9 كيلو مترات تحت الأرض وِفقًا لِما أقرَّته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
أسفر عن ذاك الزلزال المدمر مئات المباني المدمرة بالكامل فوق أصحابها، وآلاف الشهداء والجرحى والمشردين، إضافة إلى العديد من المفقودين الذين لم يُعرف حتى اللحظة أي شيء عنهم، والعديد من مجهولي الهوية وجُلُّهم من الأطفال الصغار الذين تمتلئ بهم المستشفيات ومراكز الإيواء التركية والسورية على حدٍّ سواء.
حتى اللحظة وفي اليوم الثامن لحدوث الزلزال لا زالت فرق الإنقاذ ومتطوعين من مدن مختلفة يحاولون جاهدين العثور على ناجين من تحت الأنقاض رغم قلة نسبة احتمال وجود أحياء ولكن الأمل يبقى موجود دائما برفقة العمل بإخلاصٍ في ظل هذه الظروف الصعبة.
كانت فاجعة حقيقية توقف عندها الوقت لِتحِلَّ المأساة على الجميع ممن عاشَ تلك اللحظات العصيبة في تلك المدن التي تم الإعلان أنها مدنٌ منكوبة، وممن هو بعيدٌ من خلف شاشات التلفزة والحواسيب والهواتف النقالة سمِع ورأى حجم الدمار في المباني والنفوس سواء.
رغم كل ذلك فإن الخير المرافق للأمل يبقى موجودًا دائما فمنذ حدوث الزلزال وأنا أرى الكثير من الشباب والشابات المتطوعين الذين ضحوا بكل أوقاتهم وأشغالهم من أجل مساعدة المحتاجين والمنكوبين إثر الزلزال المدمر، منهم متواجدين على الأرض في سوريا وتركيا اتجهوا مسرعين إلى المناطق المنكوبة لِتقديم يد العون بأموالهم وأجسادهم دون التفكير بما قد يحدث إن توقفوا عن روتين حياتهم لبعض الوقت، يساعدون في إخراج الضحايا من تحت الأنقاض ويتواجدون في المشافي رفقة المصابين الذين تدهورت صحتهم الجسدية والنفسية جراء الصدمة، ويقومون بتوزيع الأشياء الضرورية من ألبسة وأغطية وأطعمة ومياه على المتضررين، ويقدمون الدعم النفسي لِلفاقدين أهاليهم إن كانوا أمواتًا أم أحياء.
ومنهم على مواقع التواصل الاجتماعي مُحوِّلين أنفسهم وحساباتهم لِجسورٍ تمتدُّ من أشخاصٍ طيبين قرروا التبرع بما يستطيعون من أموالٍ وحاجاتٍ ضرورية وتأمين بيوتٍ دافئة وأدوية للمتضررين جراء ذلك الحدث الجلل الذي أودى ببيوتهم مدمَّرةً فوق أهلهم وذويهم.
بل ومنهم من سخَّر نفسه في المساعدة بالبحث عن المفقودين بنشر صورهم ومعلومات عنهم على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي على أمل العثور عليهم وجمعهم بأهلهم وذويهم.
رغم أن الحدث مؤلِم والمصاب عظيمٌ، ورغم الكثير من القصص المُفجِعة التي سمعناها ولا زلنا نسمع عنها حتى هذه اللحظة إلَّا أنَّ الأزمة أوضحت لِلملأ أن الخير لازال موجودًا، وأنَّ شبابنا اليوم هم أهلٌ لِلفخر بما قدموه من مساعدات في مختلف المجالات للأهالي المنكوبين سواء كانوا متواجدين داخل المدن المنكوبة أوخارجها، وأن السلام موجودٌ طالما في القلب نبضةُ من طيبةٍ ومحبة.
وأيضا رغم أن الحدث كان صادمًا من مختلف الجوانب على الجميع ممن يمتلكون قلوبًا خيِّرة وضميرًا مُتيقِّظًا إلا أنه أثبت أن تكاتفنا كعرب قد يصنع المعجزات.
حاولتُ قدر الإمكان وأنا على علمٍ بأنَّ الحزن كبيرٌ والمصاب قاسٍ أن أزرع حفنةَ أملٍ في القلوب من خلال مقالي هذا بالتنويه على ما قدمه الشباب السوري والتركي خاصة والعربي عامة لأهلنا هناك بأن الخير باقٍ، وبأنَّ عالمنا لازال بخير.
بالنهاية ستكمِل الحياة مسيرها وسيعود الجميع لِحياته السابقة وأعماله وملاحقة أرزاقه وأحلامه إلا أولئك الفاقدين فلا شيء في الدنيا قد يعوضهم عن ابنٍ أو أبٍ أو أمٍّ أو أهلٍ وأحباب، ولا شيء في الدنيا قد يعوض يتيمًا عن حضن والِديه، ولهذا علينا أن نكون خير عونٍ وسندٍ لمن خلَّف الزلزال داخله جرح الفقد، فلا ألم يفوق ذلك شدةً كان الله في عونهم جميعا.