هي محاولة لننصب انفسنا محللين نفسانيين من دون ان ندعي التخصص في هذا المجال، وهي خلاصة تجارب عشناها وربما شخصناها لكن رُكنت جانباً ونُحيت ولم يُلتفت لها ،فكان لزاماً علينا ان نتكلم عنها ،واعني ان نعيد قراءتها، فربما تجد كثيراً منا يعرفها ويتحدث بها لكنه يخفق في تبويبها وترتيبها فضلا عن تصنيفها ، فهي تصنف لدى اغلبنا بالانفعالات الثورية والانفعالات المعبرة عن مطالب حقيقية وان اغلب مخرجاتها سليمة ولابد منها لتجاوز محنة او ايجاد حلول لواقع مرير ومعاناة حقيقية ،ولهذا كانت رؤيتنا قاصرة ونحن نبحث عن نتائج ملموسة تتجاوز بمجتمعنا ومحنه والشعب ودولته الازمات ، وتضع الحلول المناسبة التي تنحسر بها الكوارث واللامتناهي من السلبيات على الصعد جميعها ولاسيما ما يحقق السلم المجتمعي ،ويحقق الاستقرار ،والرفاه ،والتطور ، الكلام هنا عن الانفعالات غير المنضبطة وغير الموجهة ولست بصدد ذم مخرجات هذا الشعب كلها او النظرة لها على انها سلبية بقدر متابعة معظم احداث تاريخ العراق المعاصر ،والبحث عن الانفعالات المنتجة ،وفي حقيقة الامر ان طاقة ايجابية عظيمة توجد لدى هذا الشعب لا توجد عند غيره من شعوب المنطقة ،الا عند تلك الشعوب التي تحمل ارثاً حضارياً عظيماً وتلك التي تحمل ذكاء وعطاء وقوة شخصية منتجة، لكن عندنا مع الاسف قد تجدها غير موجهة بالشكل الصحيح وتبدو عبثية ونجح التحكم الخفي والسري بتوجيهها نحو الاتجاه الخاطئ، اذ كان من المفروض بعد اغلب ثوراتها وانتفاضاتها السياسية ان تأتي ثورات البناء والاستقرار والتطور وثورات العلم لتوجه الانفعالات بالشكل الصحيح والمنتج الذي يسمو فيه المجتمع على كل اعتبار، ويجتاز وَحْلَ التخلف والجهل والصراعات الدموية ،ومفاهيم الحضيض ،لقد استطاع الشعب الالماني توجيه الانفعالات الخطأ الى صح، واننا نتعجب أن نجد في شعبنا مثل هذا التوجه المنتج، ويظهر ذلك جلياً بعد سقوط النازية بوصف يعبر عن شكل لشعب استطاع توجيه انفعالاته بالاتجاه الصح فبالقوة التي قاتل بها النازيون في جبهات القتال، وهم يعتنقون الفكر المتطرف عادوا ليقاتلوا في مجالات العلم والابداع والاقتصاد ، وبذلك انتجوا انفعالات سليمة تجاوزت بهم المحن.
عملاق اقتصادي
وها هي المانيا اليوم العملاق الاقتصادي المتطور والمتقدم صناعياً وعلمياً في المجالات كافة، لقد احسنوا توجيه انفعالات الشعب واحسن الشعب اختيار طريقه ،ولم نعد نسمع عن عنصرية متطرفة الا ما ندر وانما نجد عنصريته وروح هويته وقدراته تصطف بقوة لتسطر ملحمة انجازات رائعة جعلت من المانيا في مصاف الدول المتقدمة فعزمهم وبأسهم وعنفوانهم وهو محتوى انفعالاتهم تجسد في الاكاديميات ،والمصانع ،والفلسفات والثقافات التي عبرت عن روح امة اختارت طريق الوعي ؛ليكون قالباً لانفعالاتها، لقد كانت احداث التاريخ العراقي وثوراته تترى متراكمة كزبد البحر ولا اعني الذي يذهب جفاءً انما اعني الذي يتجمع بانفعالاته كالرغوة ويتكثف من دون ان نشهد حقولاً وسبلاً تعتمد الطاقة الايجابية المنتجة الموجهة بالاتجاه الصحيح،.
فمنذ ثورة العشرين والاحداث بانفعالاتها الدموية وشبه العبثية تتراكم تباعاً 1933 و1935 انتفاضات عشائر وحركات تمرد وعام 1936 انقلاب بكر صدقي ومن ثم حركة مايس 1941 بعدها انتفاضات 1948 و1952 وسقوط الحكم الملكي 1958 ثم نهاية العهد الجمهوري الاول 1963 بانقلاب شباط ،الى ان جاء البعثيون 1968 وهنا اختزلوا انفعالات الشعب ووجهوها ولكن توجيه خطأ لصالح حكومتهم بعد ان كبتوا حريته حتى السقوط 2003 وهي احد اهم محركات الطاقة الانفعالية، لتأتي موجة انفعالات هذه المرة منفلتة ليس من ضابط لها او محتكم بها بعضها سليمة واخرى مشوهة، مظاهرات وحشود ضد المحتل ومظاهرات وحشود ضد الفساد واخرها حشود اودت بحياة بعضهم سحقاً بمناسبة خليجي 25 انه شعب الطاقة ، لكن على ما يبدو غير الموجهة للبناء وربما سيكون من يحسن ادارة انفعالاتها وتوجيهها الوجهة الحق على ان يكون محترماً لحريات ممارستها وان تكون منتجة.