لعقودٍ من الزمان كان المؤلفون المرشحون لجائزة البوكر يشتركون بروايات إجرامية. لكن لماذا لمْ تفز رواية الجريمة التقليدية بالجائزة أبدًا؟ على مدار أكثر من نصف قرن من تاريخها، أصبحت جائزة بوكر محط أنظار المتابعين لجوائزها، واحدة من أكثر التساؤلات النقدية إلحاحاً التي تستهدف الجائزة هو أنه لم يسبق أنْ فازت أي رواية حبكتها عن الجريمة. الاستنتاج هو أنَّ لجان التحكيم تجاهلتْ باستمرار أكثر أشكال الرواية شيوعًا لأسباب تتعلق بالغطرسة والنخب الأدبية، كما لو كانوا عازمين عن عمد على إبقاء عدد قليل من القراء في متناول اليد. وذهبت الشكوى إلى أن الجائزة ترعى الإبداع السردي النافر فقط. في حين أن هذا المصطلح قد تلاشى من الاستخدام الشائع حيث انتشر الفهم بأن التعريفات والأنواع غالبًا ما تكون مقيدة أو غير محددة وأن الروايات هي أشياء متعددة الأنواع يمكنها اجتياز العديد من المجالات في وقت واحد، لا يزال أتباع كتابة الجريمة يبدون شكواهم بانتظام. وهم يشيرون إلى تجاهل رواياتهم لأسبابٍ تبدو مبهمة. ومع ذلك، فإن جائزة البوكر كانت في الواقع متفاعلة منذ فترة طويلة مع رواية الجريمة. لكنَّ الذين يكتبونها يفتقرون إلى الإبهار، لكن هذا الرأي ينطبق على العقود الأولى من الجائزة عندما كانت لجان التحكيم أكثر تعقيداً وصرامة. منذ التسعينيات فصاعدًا، ظهرت روايات الجريمة، أو على الأقل الروايات التي تعتبر الجريمة فيها الدافع الرئيسي، بشكل منتظم في القوائم الطويلة والقوائم القصيرة. بالعودة إلى عام 1989، على سبيل المثال، تم ترشيح رواية جون بانفيل، وهي قصة عن الفن والسرقة والقتل يرويها راوي غير موثوق به. ثم في عام 1992، تم ترشيح روائي أيرلندي آخر، باتريك مكابي، في القائمة المختصرة تتحدث عن تلميذ يعاني من الأوهام العنيفة، حيث يتقدم إلى السجن في مؤسسة عقلية وفي النهاية تقع جريمة قتل من أكثر الأنواع بشاعة. انطلق احتضان جائزة البوكر للإجرام بالفعل في الألفية الجديدة. في عام 2000، تم ترشيح رواية حرَّاس الحقيقة لمايكل كولينز إلى القائمة المختصرة. وبعدها بثلاثة أعوام تم إدراج جراهام سويفت في القائمة الطويلة عن روايته ضوء النهار كذلك جولي مايرسون عن رواية قد يحث شيء ما؛ وفي عام 2008، تم إدراج رواية الصبي 44 للروائي توم روب سميث في القائمة الطويلة. مع مرور السنوات تبع ذلك المزيد من الترشيحات. لكن عندما تغيرت منظمة الجائزة أصبح العديد من المتنافسين المحتملين غير مقبول. كانت السيدة “ريندل” قد أثبتت في ذلك الوقت أنها لا تحمل ضغائن ضد رواية الجريمة لتوافق على العمل كقاضية في جائزة بوكر في عام 1995. في حين اتخذ أحد الكتاب، الذي تجمع أعماله بين الجريمة والتجسس والإثارة النفسية، خطوات غير عادية لإقناع نفسه بإمكانية رفض الجائزة. اشتهر “جون لو كاريه” بإصدار تعليماته للناشرين بعدم تقديمه لجوائز أدبية، بما في ذلك جائزة بوكر. في عام 2011، اعتقد حكام جائزة البوكر الدولية، التي كانت تُمنح لشخص أو عمل بدلاً من كتاب واحد، أنهم وجدوا طريقة للالتفاف حول أمره ووضعوه في قائمتهم المختصرة. أجاب “لو كاريه” على الفور أنه بينما كان يشعر بالإطراء الشديد: “أنا لا أتنافس على الجوائز الأدبية ولذلك طلبت سحب اسمي”. جميع الأشخاص الآخرين الذين اختاروا كتبًا ذات عنصر إجرامي قوي بالنسبة لهم، قد اعترفوا ضمنيًا بأن الأنواع القديمة من الروايات كانت منذ فترة طويلة أكثر مرونة بشكل غير محدود مما تقترحه أرفف المكتبات. وينطبق الشيء نفسه على روايات الواقعية السحرية أو أي عدد من الكتب المرشحة لجائزة بوكر والتي تستوعب وتتكيف مع التقاليد الأدبية المختلفة. لطالما نظرت أفضل روايات الجريمة إلى ما هو أبعد من نفسها أيضًا – إلى التعقيد النفسي والبيئات المفعمة بالذكريات والتي تم بحثها بعمق، والتعليقات الاجتماعية والتأملات حول الحالة البشرية. ربما يكمن السبب الرئيسي وراء عدم فوز رواية إجرائية للجريمة حتى الآن بجائزة بوكر في طبيعة عملية التحكيم نفسها. في قلب كل جريمة يوجد الخيال والجنحة والحبكة المعقدة في كثير من الأحيان للمطاردة والتهرب بين الجاني والباحث عن العدالة. ومع ذلك، فإن عملية التحكيم ليست عملية قراءة عادية. تتم قراءة كل كتاب مقدم مرة واحدة على الأقل للتوصل إلى قائمة طويلة، وتتم قراءة تلك الكتب الـ 12 أو 13 مرة ثانية لاختيار قائمة مختصرة ثُمَّ قراءة هذه الكتب الستة مرة أخرى على الأقل قبل اختيار الفائز. لا يمكن للعديد من الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة أن تتحمل ثلاث قراءات من قبل لجان التحكيم في غضون أشهر دون أن تفقد مزاياها بريقها. كما أنه ليس من الممكن إنسانيًا للقضاة استعادة هذا الشعور بالدهشة والرضا عندما تتجمع كل خيوط رواية الجريمة الجيدة ويتم حل السرقة أو القتل، أو أيا كان فعل خرق القانون. ستفتقر القراءات اللاحقة دائمًا إلى هذا الارتعاش ولا يمكن للتشويق أن يكون مثيرًا للتشويق مرة أخرى. الكتب التي تحتوي على جريمة كموضوع رئيسي لها تضع نفسها في اختبار صعب أمام لجان التحكيم. ولذا كانت جائزة البوكر بعيدة عن تتويج رواية الجريمة في لائحة الفائزين طيلة عمر تاريخها الحافل بالإثارة تارةً والاستغراب والذهول في أغلب الأحيان.
* اعتمدتُ على مصادر موثوقة في كتابة هذا المقال.
حسن النواب