الكاتب محمد الكلابي
في كلِّ علاقةٍ عاطفيةٍ صراعٌ غيرُ مُعلَن بين الطّرفين ، إذ لا يكتِفي العاشقُ بمباهجِ اكتشافٍ الآخر وقبولهِ كما هو ، بل يحاولُ تطويعه عبرَ حملهٍ على تقديم تنازُلات ، فالتنازلُ هو عملةٌ العٌشّاق، وهي عملةٌ صعبة، وعلى قدرِ التّنازل تكونُ المحبة … لكن ، وبعد عسَلِ البدايات تتحوّلُ العلاقةُ إلى حربِ استنزاف ، ينتصرُ فيها الذي يأخذُ فوق ما يستحقّ ، وينكسٍرُ فيها الذي يٌعطي أكثرَ ممّا يملِك ..!
يُعرّفُ (أفلاطون) الحبَّ بأنّه : الشّوقُ الى ما نفتقِد ، ويٌعرّفهُ (أرسطو) بأنّه : التمتّعُ بما نملِك.. فمَن منهما مُصيب..؟ في الحقيقةِ يعودُ الصّوابُ لكلاَ القولين،فأنتَ إذا لم تمتلِك رُكناً ثابتاً في هذهِ الحياة يمنحُك الأمَان ستشعرُ بالحِرمان والحاجة..وفي الوقتِ ذاتهِ بمجرّد العكُوفِ على هذا الشيء الذّي تحلم به وتهواه فمن الطبيعي أن يخفَّ شغَفُك به ، فكلُّ ما نمتلكهُ يصبحُ جزءاً منّا ، والإنسانٌ لا يجدُ الشّغفَ في العادةِ إلاّ بما هو خارجٌ عن ذاتهِ ومٌفارقٌ عن كينُونتهِ..وبالمقابل يشيرُ(زيجمونت باومان) في كتابهِ ” الحبُّ السّائل ” إلى فكرةٍ محوريّة وهي : أنّ الحبَّ لا يوجدُ إلا بحضُورِ الطّرفِ الآخر ، وأنّ الشّعورَ بالحبِّ يٌصاحبُه الشّعور بالتملُّك والتسلُّط .. هذان الشُّعوران مُلازمان لكلِّ علاقةٍ إنسانية ،فأنا أحبُّكَ إذن أنا أمتلكك ..! وكأنّ الحبَّ هنا علاقةٌ قهريةٌ في نظَرِ ( باومان ) ..
ونعودُ هنا بالقول : إنّ الشّخصَ الذّي تلجأُ إليهِ دونَ الجميع ( المُحبُّ والمحبُوبُ وبالعكس ) كلّما ركلتكَ الحياة ، ويُشعرُكَ دوماً بالحرّيةِ غير المشرُوطةِ في أن تكونَ أنتَ كما أنتَ ، وتُطلقُ العِنان للإفصاحِ عن أعمقِ مشاعرك ، وأكثرِ أفكارك جنُوناً وجُمُوحاً ، وإزاحةِ السّتار عن أسرارِك بلا مُواربة،والثّرثرة بأريحيّة من غيرِ حساباتٍ ومُجاملات ، ومن غيرِ حاجةٍ إلى التفكيرِ في صياغةِ كلّ جُملة تريدُ أن تقولَها ، ومن غيرِ إحساسٍ بالخوفِ من احتمالِ أن يحكُمَ عليك أو يُسيء فهمُك أو تجرحُك ردّة فِعلهِ ، وينسابُ الحديثُ بينكما بسَلاسةٍ وخفّة تنسى معها الوقت جُلّه .. ساعاتٌ من الحقيقةِ المٌتدفّقة والبَوحِ الهادرِ من الفَم والذّي يٌحرّرُ الرُّوح ويُبلسِمٌ الجُرُوح ويُضمّد ويشفي … إن كان هذا الشّخصُ في حياتِك ، فأنتَ أكثرُ من يعي معنى الحبّ ، كي تستمرّ بالعيشِ في ظلّ ضروبهِ الوارِفة الممتدّة …