تنتشر اسواق ( الغوس ــ مان ) في عموم المانيا وهي تختص ببيع الحاجات اليومية المنزلية وكمالياتها ، وفي هذا السوبر ماركت جناحا لبيع الاعشاب ، وفي اخر زيارة للتسوق جلب انتباهي نوعا من الشاي كتب عليه عبارة بالألمانية :Glück Tee . وترجمتها تعني شاي الفرح .قلت كل انسان يحتاج الى الفرح ، وخصوصا في غربته ، وافترضت انه شاياً مجربا وبوصفة سحرية عندما قرأت ما مكتوب عنه انه عبارة عن عشب هندي يمنح للجسد الراحة والاسترخاء ونسيان الهم . وافترضت ايضا ان بوذا نفسه من اكتشف عشبة شاي السعادة في واحدة من لحظات تأملاته الكونية في كهف منعزل في جبال الهملايا أو على ضفاف واحد من انهر الهند المقدسة .ولا اعرف لماذا تذكرت اصدقائي الكثيرين في مدينتي الناصرية ،وقررت ان اشتري لكل واحد منهم علبة من شاي السعادة لشعوري انهم يحتاجون الى السعادة كثيرة وقد اصبحت المقهى رتابة لحياتهم اليومية ، واغلب حالات الفرح تسكنهم متى تكون هناك كهرباء وطنية في البيت وتوزع بانتظام مواد البطاقة التموينية وان تكون صحيحة نوايا الدولة بزيادة راتب المتقاعدين .واظن انهم سيفرحون ويصدقون بتأثير الشاي ما دمت قد جلبته لهم من المانيا وليس من سوق هرج .تعجبت البائعة وهي تحسب لي اثمان عشرين علبة اشتريتها من الشاي وقالت :يبدو انك تحتاج الى الحظ والفرح كثيرا . اجبتها : انا لا احتاجها كلها ،بل هناك في بلدي يحتاجها اغلب اصدقائي.ابتسمت وقالت :لتملأ السعادة قلوبهم.تحتوي العلبة الواحدة من شاي السعادة على 14 كيسا ، وبدءاً من صباح الغد سأتناول الكيس الاول ،وسأراقب تطورات الفرح في ساعات اليوم بدءا من العاشرة صباحا اي بعد ثلاثة ساعات من تناوله كوبا من هذا الشاي .وفي صباح اليوم الثاني جلست مبكرا لأعمل لي اول كوب من شاي الاحلام هذا ، وانا اتمنى سعادة وفرحا يجتاح ذاكرتي ويومي لأتمكن من اكمال رواياتي دون منغصات .

مفعول الشاي

واعترف اني مع اول رشفة هبت على اجفاني نسائم راحة مفاجأة فاستبشرت خيرا .فقلت ربما مع صوت فيروز واغنياتها الصباحية سيتضاعف مفعول الشاي وكم تمنيت ان اكون قد سحبت بطاقة يانصيب فحتما سأكون من الرابحين. كانت هناك في التلفاز قناة تسمى شام اف ام تبث ساعة كاملة لأغنيات فيروز فقلت لأذهب اليها ،وحين فتحت التلفاز كان هناك خبرا عاجلا عن حدوث زلازل في مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا ،فأحسست ان اغاني فيروز ستتحول الى مراثي حزن لضحايا الزلزال في ادلب وحلب ومناطق ديار بكر وانطاليه ، حيث تتسارع اعداء الضحايا بالدقائق .

تضايقت من هذا الموت الذي يحدث عن تتحرر الطاقة الهائلة في باطن الارض وتهتز وتتزحزح . وقلت هذا امر رباني اولا وجيولوجيا ثانيا ولا شأن له بشاي الفرح وسأبقى انتظر تأثيره .ولم تمض نصف ساعة حتى طرق باب البيت ساعي البريد ،وكانت هناك خمس رسائل وبينها اشعرا من دائرة البوليس بضرورة دفعنا غرامة قدرها 300 يورو لان ابنتي اوقفت سياراتها في مكانا للمعوقين وهي تراجع احدى الدوائر وقد ابلغت عليها سيدة كانت تراقب موقف السيارات من شقتها المقابلة .وبالرغم من هذا قلت هذا خطأ ابنتي وتتحمله هي ولا شأن لي به لانتظر سعادة الشاي وتأثيره ، وخلال ساعة اخرى من الانتظار شعرت ان البرد بدء يدب في غرفة الكتابة بالرغم من ان جهاز التدفئة مفتوحا ،ثم اكتشفت بعدها حين نزلت الى القبو لا تأكد من اشتغاله انه كان عاطلا ،فكان علي ان اتصل بورشة التصليح المتنقلة واخبروني ان لمجرد حضورهم ومعاينة مكان العطل يأخذون 250 اورو عدا اجور تصليح العطل . فقلت ادفع ولا نموت من البرد.وحتى اهرب من المنغصات وما زلت اشعر أن لشاي السعادة مفعوله السحري ذهبت الى صفحتي في الفيس بوك . فوجدت ان صديقين من اعز اصدقائي الاول توفي ابيه والاخر توفي اخيه والثالث تعرض الى حادثة سير في طريق بصرة ناصرية ،فأغلقت الفيس بوك خوفا من فواجع اخرى. انتهى اليوم وشاي السعادة لم يفعل شيئا سوى الغرامات واخبار الزلازل والحوادث . وطوال اليوم امتلأت بمشاعر الغيظ والحزن الكثيرة.ولأنني احب اصدقائي ولا اريد لهم مفاجآت شاي السعادة هذه والغير سعيدة ، قررت ان اعود غدا الى السوبر ماركت وارجع ما اشتريته من علب الشاي حيث يسمح لي ذلك مادمت محتفظا بورقة الايصال ، وعندما تسألني البائعة عن السبب ؟ سأقول لها انني اخبرت اصدقائي انني اشتريت لهم شاي السعادة ،فأخبروني انهم لن يحتاجوه فهم في كامل سعادته.