أصبحت الكتابة عند كبار السن بشكل خاص رمزاً لوجودهم وتفاعلهم ، فهي الأمل الذي يصيب نفوسهم ويمنحهم دفعة جديدة نحو مواصلة التفاعل الإنساني ومن ثم ولادة رغبة متجددة لديهم في تقديم الإنتاج الذي ينطلق من أفكارهم على مدى الأيام … أن الكاتب الذي تحضى مقالاته بالنشر في الصحف والمجلات وعلى منصات التواصل الاجتماعي بشكلٍ مستمر يشعر بحضوره المتواصل في الوسط الكوني حتى وان كان مقعداً في بيته أو من الذين فرضت عليهم الظروف السيئة في معركة الحياة الانعزال وراء جدران إقاماتهم وصار عدم مقدرتهم على الاختلاط والتعايش مع الآخرين لأسباب كثيرة أولها اختفاء المنتديات الاجتماعية التي تمنحهم فرص اللقاء والتعارف وتبادل الحديث والأفكار مع الآخرين وخاصة مع الطبقة المثقفة لكي يتم من خلال تلك اللقاءآت تفريغ ما تراكم لديهم على مدى الأيام من شحنات ثقافية تحتشد في أنفاق الفكر وقد تتسبب في حال انحباسها الى اضطراب النفوس أو حتى جنونها بسبب تفاعلها وكبوتها هناك فهي تريد الانطلاق من انفاقها والتحرر لتريح صاحبها وتصيب اضطرابه النفسي بالسكون.
هناك رغبة فطرية لدى الإنسان السليم تميل دوماً إلى حب التعايش والاختلاط مع الآخرين ورفضه الانعزال والتقوقع منفرداً في ثنايا إقامته إلاّ اذا كان مصاباً بمرض التوحد أو مرض نفسي آخر مثل الفوبيا أو مايسمى (الخوف من المجهول) فقد تفرض عليه حالة (العقدة النفسية) الابتعاد عن أبناء جنسه والعيش وحيداً منعزلاً بشكلٍ يدعو الى الشفقة ، إن الكتابة هي الوسيلة التي يعملون من خلالها هولاء الثائرون على التحرر من ضائقة النفس ولوعة الوحدة وفي منظورهم ايضاً هي عملية تحدي دائمة للظروف الصعبة التي تصيب الضعفاء منهم على وجه الخصوص فلا حول ولا قوة لهم في معالجة مشاكلهم المتفاقمة إلاّ من خلال صرير أقلامهم كما يعتقد البعض منهم فهم يرون في كلماتهم سلاحاً للوقوف بحزمٍ وثبات أمام أعبائهم فيتصدون من خلال مقالاتهم اللاذعة إلى مشاكلهم بعزيمة لم يألفوها الا من خلال تلك الكتابات التي تخطها أقلامهم بالتوافق طبعاً مع رغباتهم وتطلعاتهم ومن الممكن أن يشعروا في النهاية بأن مقالاتهم التي ظهرت للعلن قد نصرتهم على ضعفهم وظهروا أمام مجتمعاتهم بمظهر القوة والاقتدار أو الحضور الفاعل أمام الوجود على أقل تقدير .
ومنهم من يعتقد بأن الكتابة هي استعراض للعضلات الفكرية التي يحاولوا أن يثبتوا من خلالها إنهم مازالوا يمتلكون الإرادة في فرض الرأي وتوجيه النصائح الابوية إلى الآخرين وان كانوا كبار في السن عاجزون منعزلون في بيوتهم لا شغل لهم ولا مشغلة سوى انتظار أجلهم المحتوم .
نرى بان الكتابة من قبل هؤلاء الأفاضل هو عمل رائع يضيف إليهم سعادة غامرة وارتياح نفسي عميق وتساهم ايضاً في إطفاء نيران أعماقهم الناقدة المستعرة على الدوام .
إن الواجب الإنساني يفرض على أصحاب الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية أن يتقبلوا مقالاتهم ويعملوا على نشرها بجهد الإمكان لإضافة لمسة من السعادة والسمو والسكينة على عواطف أولئك الشيوخ الثائرون المرابطون في مساكنهم ليل نهار هذا بالإضافة إلى أنهم أصحاب خبرة عميقة وسط هذه الحياة المعقدة ولديهم تجارب كثيرة هنا وهناك ومن الممكن أن نجد تلك التجارب والعبر قد هبطت من عقولهم لتستقر في مقالاتهم ، لذا نرى أن كتابات الأكثرية منهم مثمرة إلى حدٍ ما وتفيض بالمعلومات القيمة والدروس المتقدمة هذا وللحديث بقية.