جملة مستفزة، وهي الميزان السياسي أكبر من أن يحتمل الوضع العراقي في اطلاقها عليه، غير انّ الأمين العام للام المتحدة أنطونيو غوتيريش الزائر لبغداد قالها بكل ثقة ممتدحاً الدور المحوري الإقليمي للعراق في الوساطات والاتصالات. إذا كان الكلام الدبلوماسي سمة الزائرين العاديين فما بالك عن لغة أبي الدبلوماسية العالمية؟ لعل المراقب يراها من هذه الزاوية، مزيدا لها روح الأمل والتمني والرجاء ليس أكثر. ذلك انّ من الناحية الواقعية، يكون لقب الدور المحوري للعراق كبيراً على وضع البلد الواقعي، فالعراق لايزال في حاجة ماسة لحل مشكلات جدية عالقة له مع دول المحيط الإقليمي، وأنها مشكلات مطمورة تحت ثقل الزمن السياسي الراهن وتتحرك أحيانا بحسب توقيتات وازمات.
العراق لديه مشكلات وتداخلات ذات اثر سلبي على أمنه وشعبه وحدوده ووضعه الاقتصادي وربما سيادته واستقراره، جزئياً أو كلياً، مع دول ايران وتركيا والكويت وسوريا على نحو خاص بفعل تداعيات العقدين الأخيرين بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق وتغيير نظامه السياسي الذي لم يصب في مصلحة واشنطن، كما صبَّ في مصلحة بعض دول الجوار وإسرائيل أيضاً.
العراق لديه موقع محوري في الإقليم، لكن من الصعب ان يتمتع بدور محوري في حل مشكلات الإقليم المزمنة، وانّ الوساطة التي اضطلع بها بين ايران والسعودية ليست امتيازاً سياسياً حصرياً لكي يؤهل البلد للارتقاء الى مستوى الدور المحوري، والا فانَّ العراق أحوج ما يكون الى نجاعة هذا الدور في حل مشكلاته العميقة مع دول المحيط.
العراق ببساطة لايزال في عمقه الجيوسياسي ساحة للنفوذ الخارجي، ولا أقول للصراع الدولي فحسب، فتركيا لها قضاياها العالقة التي تحاول حسمها وفق رؤيتها الأمنية داخل العراق مع حزب العمال الكردستاني الذي ينقسم الوضع السياسي العراقي ازاءه بين مؤيد وداعم وممول وبين رافض لوجوده كونه عامل عدم استقرار ومدخلا للتدخل الخارجي. وكذلك ايران لها فصائل مسلحة تعلن ،هي ذاتها، انّ لها ولاءاً لإرادة الولي الفقيه، وهي تعمل داخل العراق وتتمول من موارده، بغض النظر عن موافقة الحكومة من عدمها. ومع سوريا، لاتزال الحدود مفتوحة برغم الجهد الأمني والعسكري العراقي الكبير، بسبب عدم قدرة دمشق على التعاطي المستقل من دون تدخلات خارجية او داخلية في وضعها السيادي.
من حيث التوصيف الواقعي، صار العراق مكب نفايات التدخل الخارجي في شؤونه أو أراضيه أو تكويناته الاجتماعية والسياسية، وهذا كله لا يوحي بأن العراق يضطلع بدور محوري خارجي. حتى الوساطة بين طهران والرياض، ليست امتيازاً وحيداً ونادراً، ذلك انّ سلطنة عُمان على سبيل المثال قد تقوم بدور مماثل، ولا تزال تلعب أدواراً شبيهة فيما يخص ملفات إيرانية سعودية غير مباشرة، عبر حرب اليمن.
دور محوري مزعوم يشبه الثوب المخالف لقياسات البلد الحقيقية